البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٨٥
على مقترحي الآيات من كفار قريش كسقوط السماء عليهم كسفا. وقولهم : سير علينا الأخشبين، واجعل لنا البطاح محارث ومغترسا كالأردن، وأحي لنا مضينا وأسلافنا، ولم تجر عادة اللّه في الإتيان بالآيات المقترحة إلا إذا أراد هلاك مقترحها، فرد تعالى عليهم بأن نزول الآية لا يقتضي ضرورة إيمانكم وهداكم، لأنّ الأمر بيد اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء.
وقال الزمخشري :(فإن قلت) : كيف يطابق قولهم : لو لا أنزل عليه آية من ربه، قل إن اللّه يضل من يشاء؟ (قلت) : هو كلام يجري مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يؤتها نبي قبله، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية، فإذا جحدوها ولم يعتدوا بها وجعلوه كأنه لم ينزل عليه قط كان موضع التعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم : ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم إن اللّه يضل من يشاء، فمن كان على صفتكم من التصميم وشدة التسليم في الكفر فلا سبيل إلى اهتدائكم وإن أنزلت كل آية، ويهدي إليه من كان على خلاف صفتكم. وقال أبو علي الجبائي : يضل من يشاء عن رحمته وثوابه عقوبة له على كفره، ويهدي إليه من أناب أي :
إلى جنته من أناب أي : من تاب. والهدى تعلقه بالمؤمن هو الثواب لأنه يستحقه على إيمانه، وذلك يدل على أنه يضل عن الثواب بالعقاب، لا عن الدين بالكفر، على ما ذهب إليه من خالفنا انتهى. وهي على طريقة الاعتزال.
والضمير في إليه عائد على القرآن، أو على الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم. والظاهر أنه عائد على اللّه تعالى على حذف مضاف أي : إلى دينه وشرعه. وأناب أقبل إلى الحق، وحقيقته دخل في توبة الخير. والذين آمنوا : بدل من أناب. واطمئنان القلوب سكونها بعد الاضطراب من خشيته. وذكر اللّه ذكر رحمته ومغفرته، أو ذكر دلائله على وحدانيته المزيلة لعلف الشبه. أو تطمئن بالقرآن، لأنه أعظم المعجزات تسكن به القلوب وتنتبه. ثم ذكر الحض على ذكر اللّه وأنه به تحصل الطمأنينة ترغيبا في الإيمان، والمعنى : أنه بذكره تعالى تطمئن القلوب لا بالآيات المقترحة، بل ربما كفر بعدها، فنزل العذاب كما سلف في بعض الأمم.
وجوزوا في الذين أن يكون بدلا من الذين، وبدلا من القلوب على حذف مضاف أي :
قلوب الذين، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي : هم الذين، وأن يكون مبتدأ خبره ما بعده.
وطوبى : فعل من الطيب، قلبت ياؤه واوا لضمة ما قبلها كما قلبت في موسر،


الصفحة التالية
Icon