البحر المحيط، ج ٦، ص : ٣٩٢
حال من استهزأ بك، وإن أمهل حال أولئك في أخذهم ووعيد لهم. وفي قوله : فكيف كان عقاب استفهام معناه التعجب بما حل، وفي ضمنه وعيد معاصري الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم من الكفار.
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ. لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ : من موصولة صلتها ما بعدها، وهي مبتدأ والخبر محذوف تقديره : كمن ييئس، كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع، كما حذف من قوله : أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ «١» تقديره : كالقاسي قلبه الذي هو في ظلمة. ودل عليه قوله تعالى : وجعلوا للّه شركاء، كما دل على القاسي فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ «٢» ويحسن حذف هذا الخبر كون المبتدأ يكون مقابله الخبر المحذوف، وقد جاء مثبتا كثيرا كقوله تعالى : أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ «٣» أَفَمَنْ يَعْلَمُ «٤» ثم قال : كَمَنْ هُوَ أَعْمى «٥». والظاهر أنّ قوله تعالى : وجعلوا للّه شركاء، استئناف إخبار عن سوء صنيعهم، وكونهم أشركوا مع اللّه ما لا يصلح للألوهية. نعى عليهم هذا الفعل القبيح، هذا والباري تعالى هو المحيط بأحوال النفوس جليها وخفيها. ونبه على بعض حالاتها وهو الكسب، ليتفكر الإنسان فيما يكسب من خير وشر، وما يترتب على الكسب في الجزاء، وعبر بقائم عن الإحاطة والمراقبة التي لا يغفل عنها.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يقدر ما يقع خبرا للمبتدأ، ويعطف عليه وجعلوا للّه أي : وجعلوا، وتمثيله : أفمن هو بهذه الصفة لم يوحدوه، وجعلوا له شركاء، وهو اللّه الذي يستحق العبادة وحده انتهى. وفي هذا التوجيه إقامة الظاهر مقام المضمر في قوله : وجعلوا للّه أي : وجعلوا له، وفيه حذف الخبر عن المقابل، وأكثر ما جاء هذا الخبر مقابلا. وفي تفسير أبي عبد اللّه الرازي قال : الشديد صاحب العقد، الواو في قوله تعالى : وجعلوا واو الحال، والتقدير : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت موجود، والحال أنهم جعلوا له شركاء، ثم أقيم الظاهر وهو للّه مقام المضمر تقديرا لألوهيته وتصريحا بها، كما تقول : معطي الناس ومغنيهم موجود، ويحرم مثلي انتهى. وقال ابن عطية : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت أحق بالعبادة أم الجمادات التي لا تضر ولا

(١) سورة الزمر : ٣٩/ ٢٢.
(٢) سورة الزمر : ٣٩/ ٢٢.
(٣) سورة النحل : ١٦/ ١٧.
(٤) سورة الرعد : ١٣/ ١٩.
(٥) سورة الرعد : ١٣/ ١٩.


الصفحة التالية
Icon