البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤١٧
لتعودن على المفهوم منها أولا إذ سبق كونهم كانوا في ملتهم، وأما الرسل فلم يكونوا في ملتهم قط. أو يكون المعنى في عودهم إلى ملتهم سكوتهم عنهم، وكونهم إغفالا عنهم لا يطالبونهم بالإيمان باللّه وما جاءت به الرسل.
وقرأ أبو حيوة : ليهلكن الظالمين وليسكننكم، بياء الغيبة اعتبارا بقوله : فأوحى إليهم ربهم، إذ لفظه لفظ الغائب. وجاء ولنسكننكم بضمير الخطاب تشريفا لهم بالخطاب، ولم يأت بضمير الغيبة كما في قوله : فأوحى إليهم ربهم. ولما أقسموا بهم على إخراج الرسل والعودة في ملتهم، أقسم تعالى على إهلاكهم. وأي إخراج أعظم من الإهلاك، بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبدا، وعلى إسكان الرسل ومن آمن بهم وذرياتهم أرض أولئك المقسمين على إخراج الرسل. قال ابن عطية : وخص الظالمين من الذين كفروا، إذ جائز أن يؤمن من الكفرة الذين قالوا المقالة ناس، وإنما توعد لإهلاك من خلص للظلم. وقال غيره : أراد بالظالمين المشركين، قال تعالى : إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «١» والإشارة بذلك إلى توريث الأرض الأنبياء ومن آمن بهم بعد إهلاك الظالمين كقوله تعالى : وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ «٢». ومقام يحتمل المصدر والمكان. فقال الفراء : مقامي مصدر أضيف إلى الفاعل أي : قيامي عليه بالحفظ لأعماله، ومراقبتي إياه لقوله : أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ «٣». وقال الزجاج : مكان وقوفه بين يدي للحساب، وهو موقف اللّه الذي يقف فيه عباده يوم القيامة كقوله تعالى : وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ «٤» وعلى إقحام المقام أي لمن خافني. والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء : أي استنصروا اللّه على أعدائهم كقوله : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ «٥» ويجوز أن يكون الفتاحة وهي الحكومة، أي : استحكموا اللّه طلبوا منه القضاء بينهم.
واستنصار الرسل في القرآن كثير كقول نوح : فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي «٦» وقول لوط : رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ «٧» وقول شعيب : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ «٨» وقول موسى : رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ «٩» الآية. وقال ابن زيد : الضمير عائد على الكفار أي : واستفتح الكفار

(١) سورة لقمان : ٣١/ ١٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٢٨. [.....]
(٣) سورة الرعد : ١٣/ ٣٣.
(٤) سورة الرحمن : ٥٥/ ٤٦.
(٥) سورة الأنفال : ٨/ ١٩.
(٦) سورة الشعراء : ٢٦/ ١١٨.
(٧) سورة الشعراء : ٢٦/ ١٦٩.
(٨) سورة الأعراف : ٧/ ٨٩.
(٩) سورة يونس : ١٠/ ٨٨.


الصفحة التالية
Icon