البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤١٨
على نحو ما قالت قريش : عَجِّلْ لَنا قِطَّنا «١» وقول أبي جهل : اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة. وكأنهم لما قوي تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة، ظنوا أن ما جاؤوا به باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح : فَأْتِنا بِما تَعِدُنا «٢» وقوم شعيب : فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً «٣» وعاد : وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ «٤» وبعض قريش : فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً «٥». وقيل : الضمير عائد على الفريقين : الأنبياء، ومكذبيهم، لأنهم كانوا كلهم سألوا أن ينصر المحق ويبطل المبطل. ويقوي عود الضمير على الرسل خاصة قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن : واستفتحوا بكسر التاء، أمرا للرسل معطوفا على ليهلكن أي : أوحى إليهم ربهم وقال لهم : ليهلكن، وقال لهم :
استفتحوا أي : اطلبوا النصر وسلوه من ربكم. وقال الزمخشري : ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا، والفتح المطر في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة الرسول فلم يسقوا، فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيّب رجاء كل جبار عنيد، وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر وهو صديد أهل النار. واستفتحوا على هذا التفسير كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم انتهى. وخاب معطوف على محذوف تقديره : فنصروا وظفروا. وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل، وتقدم شرح جبار. والعنيد : المعاند كالخليط بمعنى المخالط على قول من جعل الضمير عائدا على الكفار، كأن وخاب عطفا على واستفتحوا. ومن ورائه قال أبو عبيدة وابن الأنباري أي : من بعده. وقال الشاعر :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وليس وراء اللّه للمرء مهرب
وقال أبو عبيدة أيضا، وقطرب، والطبري، وجماعة : ومن ورائه أي ومن أمامه، وهو معنى قول الزمخشري : من بين يديه. وأنشد :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراء فرج قريب
وهذا وصف حاله في الدنيا، لأنه مرصد لجهنم، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها، أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف. وقال الشاعر :
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقوم تميم والفلاة ورائيا
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٧٠.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦/ ١٨٧.
(٤) سورة الشعراء : ٢٦/ ١٣٨.
(٥) سورة الأنفال : ٨/ ٣٢.