البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٣٠
بمعنى الذي، والتقدير : كفرت بالصنم الذي أشركتمونيه، فحذف العائد. وقيل : من قبل متعلق بكفرت، وما بمعنى الذي أي : كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالذي أشركتمونيه وهو اللّه عز وجل. تقول : شركت زيدا، فإذا أدخلت همزة النقل قلت : أشركت زيدا عمرا، أي جعلته له شريكا. إلا أن في هذا القول إطلاق ما على اللّه تعالى، وما الأصح فيها أنها لا تطلق على آحاد من يعلم. وقال الزمخشري : ونحو ما هذه يعني في إطلاقها على اللّه ما في قولهم : سبحان ما سخركن لنا انتهى. ومن منع ذلك جعل سبحان علما على معنى التسبيح، كما جعل برة علما للمبرة. وما مصدرية ظرفية، ويكون ذلك من إبليس إقرارا على نفسه بكفره الأقدم أي : خطيئتي قبل خطيئتكم. فلا إصراخ عندي أنّ الظالمين لهم عذاب أليم، الظاهر أنه من تمام كلام إبليس، حكى اللّه عنه ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيها للسامعين علي النظر في عاقبتهم، والاستعداد لما لا بد منه. وأن يتصوروا في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول، يخافوا، ويعلموا ما يخلصهم منه، وينجيهم. وقيل : هو من كلام الخزنة يوم ذاك. وقيل : من كلام اللّه تعالى.
ولأبي عبد اللّه الرازي كلام هنا في الشيطان والملائكة يوقف عليه من تفسيره.
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ : لما جمع الفريقين في قوله : وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً «١» وذكر شيئا من أحوال الكفار، ذكر ما آل إليه أمر المؤمنين من إدخالهم الجنة. وقرأ الجمهور :
وأدخل ماضيا مبنيا للمفعول. وقرأ الحسن، وعمرو بن عبيد : وأدخل بهمزة المتكلم مضارع أدخل أي : وأدخل أنا. وعلى قراءة الجمهور يحتمل أن يكون الفاعل الملائكة، والظاهر تعلق بإذن ربهم بأدخل. وقال الزمخشري :(فإن قلت) : فبم يتعلق يعني بإذن ربهم في القراءة الأخرى، وقولك وأدخلهم أنا بإذن ربهم كلام غير ملئتم؟ (قلت) : الوجه في هذه القراءة أن يتعلق قوله بإذن ربهم بما بعده أي : تحيتهم فيها سلام. بإذن ربهم يعني : أن الملائكة يحيونهم بإذن ربهم انتهى. فظاهر كلامه أنّ بإذن ربهم معمول لقوله :
تحيتهم، ولذلك قال : يعني أنّ الملائكة يحيونهم بإذن ربهم، وهذا لا يجوز، لأن فيه تقديم معمول المصدر المنحل بحرف مصدري والفعل عليه، وهو غير جائز. وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي الحسن : أدخل برفع اللام على الاستقبال بإخبار اللّه