البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٣٧
يملكوه لأنفسهم أمرا دونه، وهو آمر الشهوة والمعنى : إن دمتم على ما أنتم عليه من الامتثال لأمر الشهوة فإنّ مصيركم إلى النار. ويجوز أن يراد الخذلان والتخلية ونحوه : قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ «١» انتهى ومصيركم مصدر صار التامة بمعنى رجع. وخبر إنّ هو قوله : إلى النار، ولا يقال هنا صار بمعنى انتقل، ولذلك تعدى بإلى أي : فإنّ انتقالكم إلى النار، لأنه تبقى إنّ بلا خبر، ولا ينبغي أن يدعي حذفه، فيكون التقدير : فإن مصيركم إلى النار واقع لا محالة أو كائن، لأنّ حذف الخبر في مثل هذا التركيب قليل، وأكثر ما يحذف إذا كان اسم إنّ نكرة، والخبر جار ومجرور. وقد أجاز الحوفي : أن يكون إلى النار متعلقا بمصيركم، فعلى هذا يكون الخبر محذوفا.
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ. وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ : لما ذكر تعالى حال الكفار وكفرهم نعمته، وجعلهم له أندادا، وتهددهم أمر المؤمنين بلزوم الطاعة والتيقظ لأنفسهم، وإلزام عمودي الإسلام الصلاة والزكاة قبل مجيء يوم القيامة. ومعمول قل، محذوف تقديره : أقيموا الصلاة يقيموا. ويقيموا مجزوم على جواب الأمر، وهذا قول :
الأخفش، والمازني. ورد بأنه لا يلزم من القول إن يقيموا، ورد هذا الردّ بأنه أمر المؤمنين بالإقامة لا الكافرين، والمؤمنون متى أمرهم الرسول بشيء فعلوه لا محالة. قال ابن عطية :
ويحتمل أن يكون يقيموا جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله : قل وذلك أن تجعل قل في هذه الآية بمعنى بلّغ وأدّ الشريعة يقيموا الصلاة انتهى. وهذا قريب مما قبله، إلا أن في ما قبله معمول القول : أقيموا، وفي هذه الشريعة على تقدير بلّغ الشريعة. وذهب الكسائي والزجاج وجماعة إلى أن معمول قل هو قوله : يقيموا، وهو أمر مجزوم بلام الأمر محذوفة على حد قول الشاعر :
محمد تفد نفسك كل نفس أنشده سيبويه إلا أنه قال : إنّ هذا لا يجوز إلا في الشعر. وقال الزمخشري في هذا القول :