البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٣٨
وإنما جاز حذف اللام لأن الأمر الذي هو قل، عوض منه. ولو قيل : يقيموا الصلاة وينفقوا ابتداء بحذف اللام، لم يجز انتهى. وذهب المبرد إلى أنّ التقدير : قل لهم أقيموا يقيموا، فيقيموا المصرح به جواب أقيموا المحذوف قيل. وهو فاسد لوجهين : أحدهما : أنّ جواب الشرط يخالف الشرط إما في الفعل، أو في الفاعل، أو فيهما. فأما إذا كان مثله فيهما فهو خطأ كقولك : قم يقم، والتقدير على هذا الوجه : أن يقيموا يقيموا. والوجه الثاني : أن الأمر المقدر للمواجهة ويقيموا على لفظ الغيبة وهو خطأ إذا كان الفاعل واحدا. وقيل : التقدير أن تقل لهم أقيموا يقيموا قاله سيبويه فيما حكاه ابن عطية. وقال الفراء : جواب الأمر معه شرط مقدر تقول : أطع اللّه يدخلك الجنة، أي إن تطعه يدخلك الجنة. ومخالفة هذا القول للقول قبله أنّ الشرط في هذا مقدر بعد فعل الأمر، وفي الذي قبله الأمر مضمن معنى الشرط. وقيل : هو مضارع بلفظ الخبر صرف عن لفظ الأمر، والمعنى : أقيموا، قاله أبو علي وفرقة. ورد بأنه لو كان مضارعا بلفظ الخبر ومعناه الأمر، لبقي على إعرابه بالنون كقوله : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ «١» ثم قال : تُؤْمِنُونَ «٢» والمعنى : آمنوا. واعتل أبو علي لذلك بأنه لما كان بمعنى الأمر بني يعني : على حذف النون، لأن المراد أقيموا، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك : يا زيد، يعني على الضمة لما شبه بقبل وبعد انتهى، ومتعلق القول الملفوظ به أو المقدر في هذه التخاريج هو الأمر بالإقامة والإنفاق، إلا في قول ابن عطية فمتعلقه الشريعة فهو أعم، إذ قدر قل بمعنى بلّغ وأدّ الشريعة. قال ابن عطية : ويظهر أن المقول هو الآية التي بعد أعني قوله : اللّه الذي خلق السموات والأرض انتهى.
وهذا الذي ذهب إليه من كون معمول القول هو قوله تعالى اللّه الذي الآية تفكيك للكلام، يخالفه ترتيب التركيب، ويكون قوله : يقيموا الصلاة كلاما مفلتا من القول ومعموله، أو يكون جوابا فصل به بين القول ومعموله، ولا يترتب أن يكون جوابا، لأن قوله : اللّه الذي خلق السموات والأرض، لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدا. واحتمل الصلاة أن يراد بها العموم أي : كل صلاة فرض وتطوع، وأن يراد بها الخمس، وبذلك فسرها ابن عباس : وفسر الإنفاق بزكاة الأموال. وتقدم إعراب سِرًّا وَعَلانِيَةً «٣» وشرحها في أواخر البقرة.
(٢) سورة الصف : ٦١/ ١١.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٢٧٤.