البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٣٩
وقال أبو عبيدة : البيع هنا البذل، والخلال المخالة، وهو مصدر من خاللت خلالا ومخالة وهي المصاحبة انتهى. ويعني بالبذل مقابل شيء. وقال امرؤ القيس :
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى ولست بمقلي الخلال ولا قال
وقال الأخفش : الخلال جمع خلة. وتقدم الخلاف في قراءة لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ «١» بالفتح أو بالرفع في البقرة، والمراد بهذا اليوم يوم القيامة. قال الزمخشري :(فإن قلت) :
كيف طابق الأمر بالإنفاق وصف اليوم بأنه لا بيع فيه ولا خلال؟ (قلت) : من قبل أنّ الناس يخرجون أموالهم في عقود المعاوضات، فيعطون بدلا ليأخذوا مثله، وفي المكارمات ومهاداة الأصدقاء ليستخرجوا بهداياهم أمثالها أو خيرا منها، وأما الإنفاق لوجه اللّه خالصا كقوله : وما لا حد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى فلا يفعله إلا المؤمنون الخلص، فبعثوا عليه ليأخذوا بدله في يوم لا بيع فيه ولا خلال أي : لا انتفاع فيه بمبايعة ولا مخالة، ولا بما ينفقون فيه أموالهم من المعاوضات والمكارمات، وإنما ينتفع فيه بالإنفاق لوجه اللّه انتهى. ولما أطال تعالى الكلام في وصف أحوال السعداء والأشقياء، وكان حصول السعادة بمعرفة اللّه وصفاته، والشقاوة بالجهل، بذلك ختم وصفه بالدلائل الدالة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته فقال : اللّه الذي خلق السموات والأرض وذكر عشرة أنواع من الدلائل فذكر أولا إبداعه وإنشاء السموات والأرض، ثم أعقب بباقي الدلائل، وأبرزها في جمل مستقلة ليدل وينبّه على أنّ كل جملة منها مستقلة في الدلالة، ولم يجعل متعلقاتها معطوفات عطف المفرد على المفرد، واللّه مرفوع على الابتداء، والذي خبره.
قال ابن عطية : ومن أخبر بهذه الجملة وتقررت في نفسه آمن وصلى وأنفق انتهى. يشير إلى ما تقدم من قوله : إنّ معمول قل هو قوله تعالى اللّه الذي خلق السموات والأرض الآية.
فكأنه يقول : يقيموا الصلاة، جواب لقوله : قل لعبادي اللّه الذي خلق السموات والأرض.
والظاهر أن مفعول أخرج هو رزقا لكم، ومن للتبعيض. ولما تقدّم على النكرة كان في موضع الحال، ويكون المعنى : إن الرزق هو بعض جني الأشجار، ويخرج منها ما ليس برزق كالمجرد للمضرات. ويجوز أن تكون من لبيان الجنس قاله ابن عطية والزمخشري، وكأنه قال : فأخرج به رزقا لكم هو الثمرات. وهذا ليس بجيد، لأنّ من التي لبيان الجنس إنما تأتي بعد المبهم الذي تبينه. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون من الثمرات مفعول

(١) سورة ابراهيم : ١٤/ ٣١.


الصفحة التالية
Icon