البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٤٠
أخرج، ورزقا حالا من المفعول، أو نصبا على المصدر من أخرج، لأنه في معنى رزق.
وقيل : من زائدة، وهذا لا يجوز عند جمهور البصريين، لأنّ ما قبلها واجب، وبعدها معرفة، ويجوز عند الأخفش. والفلك هنا جمع فلك، ولذلك قال : لتجري. ومعنى بأمره :
راجع إلى الأمر القائم بالذات. وقال الزمخشري : لقوله، كن.
وانطوى في تسخير الفلك تسخير البحار، وتسخير الرياح. وأما تسخير الأنهار فبجريانها وبتفجيرها للانتفاع بها. وانتصب دائبين على الحال والمعنى : يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاحهما ما يصلحان من الأرض والأبدان والنبات، عن مقاتل بن حبان يرفعه إلى ابن عباس أنه قال : معناه دائبين في طاعة اللّه. قال ابن عطية : وهذا قول إن كان يراد به أنّ الطاعة انقياد منهما في التسخير، فذلك موجود في قوله : سخر، وإن كان يراد أنها طاعة مقصودة كطاعة العبادة من البشر فهذا جيد، واللّه أعلم انتهى. وتسخير الليل والنهار كونهما يتعاقبان خلفة للمنام والمعاش. وقال المتكلمون : تسخير الليل والنهار مجاز، لأنّهما عرضان، والاعراض لا تسخر. ولما ذكر تعالى تلك النعم العظيمة، ذكر أنه لم يقتصر عليها فقال : وآتاكم من كل ما سألتموه، والخطاب للجنس من البشر أي : أن الإنسان قد أوتي من كل ما شأن أن يسأل وينتفع به، ولا يطرد هذا في كل واحد واحد من الناس، وإنما تفرقت هذه النعم في البشر فيقال : بحسب هذا الجميع أوتيتم كذا على جهة التقرير للنعمة.
وقرأ ابن عباس، والضحاك، والحسن، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وعمرو بن قائد، وقتادة، وسلام، ويعقوب، ونافع في رواية : من كل بالتنوين
أي : من كل هذه المخلوقات المذكورات. وما موصولة مفعول ثان أي : ما شأنه أن يسأل بمعنى يطلب الانتفاع به. وقيل : ما نافية، والمفعول الثاني هو من كل كقوله : وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ «١» أي غير سائليه. أخبر بسبوغ نعمته عليهم بما لم يسألوه من النعم، ولم يعرض لما سألوه. والجملة المنفية في موضع نصب على الحال، وهذا القول بدأ به الزمخشري، وثنى به ابن عطية وقال : إنه تفسير الضحاك. وهذا التفسير يظهر أنه مناف لقراءة الجمهور من كل ما سألتموه بالإضافة، لأنّ في تلك القراءة على ذلك التخريج تكون ما نافية، فيكونون لم يسألوه. وفي هذه القراءة يكونون قد سألوه، وما بمعنى الذي. وأجيز أن تكون

(١) سورة النمل : ٢٧/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon