البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٥٢
لهم. وقال ابن عباس، ومجاهد، وابن زيد : خربة خاوية ليس فيها خير ولا عقل. وقال سفيان : خالية إلا من فزع ذلك اليوم كقوله : وأصبح فؤاد أم موسى فارغا، أي : إلا من هم موسى. وهواء تشبيه محض، لأنها ليست بهواء حقيقة، ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة، فهي منحرقة مشبهة الهواء في تفرغه من الأشياء وانخراقه، وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور، وأنها تجيء وتذهب وتبلغ على ما روى حناجرهم، فهي في ذلك كالهواء الذي هو أبدا في اضطراب. وحصول هذه الصفات الخمس للظالمين قبل المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله : يوم يقوم الحساب. وقيل : عند إجابة الداعي، والقيام من القبور. وقيل : عند ذهاب السعداء إلى الجنة، والأشقياء إلى النار.
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ، . وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ : هذا خطاب للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم. ويوم منصوب على أنه مفعول ثان لا نذر، ولا يصح أن يكون ظرفا، لأنّ ذلك اليوم ليس بزمان للإنذار، وهذا اليوم هو يوم القيامة والمعنى : وأنذر الناس الظالمين، ويبين ذلك قوله : فيقول الذين ظلموا، لأن المؤمنين يبشرون ولا ينذرون. وقيل : اليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات، ولقاء الملائكة بلا بشرى كقوله : لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ «١» ومعنى التأخر إلى أجل قريب الرد إلى الدنيا قاله الضحاك، إذ الإمهال إلى أمد وحد من الزمان قريب قاله السدي، أي : لتدارك ما فرطوا من إجابة الدعوة، واتباع الرسل. أو لم تكونوا هو على إضمار القول والظاهر أنّ التقدير فيقال لهم، والقائل الملائكة، أو القائل اللّه تعالى. يوبخون بذلك، ويذكرون مقالتهم في إنكار البعث، وإقسامهم على ذلك كما قال تعالى : وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ «٢» ومعنى ما لكم من زوال، من الأرض بعد الموت أي :
لا نبعث من القبور. وقال محمد بن كعب : إنّ هذا القول يكون منهم وهم في النار، ويرد عليهم : أو لم تكونوا، ومعناه التوبيخ والتقريع. وقال الزمخشري أو لم تكونوا أقسمتم على إرادة القول، وفيه وجهان : أن يقولوا ذلك بطرا وأشرا، ولما استولى عليهم من عادة الجهل
(٢) سورة النحل : ١٦/ ٣٨.