البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٥٧
الحلقة خاتما، فالذات لم تفقد لكنها انتقلت من شكل إلى شكل. واختلفوا في التبديل هنا، أهو في الذات، أو في الصفات، فقال ابن عباس : تمد كما يمد الأديم، وتزال عنها جبالها وآكامها وشجرها، وجميع ما فيها حتى تصير مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وتبدل السموات بتكوير شمسها، وانتثار كواكبها، وانشقاقها، وخسوف قمرها. وقال ابن مسعود : تبدل الأرض بأرض كالفضة نقية لم يسفك فيها دم، ولم يعمل فيها خطيئة. وقال على تلك الأرض من فضة والجنة من ذهب. وقال محمد بن كعب وابن جبير : هي أرض من خبز يأكل منها المؤمنون من تحت أقدامهم، وجاء هذا مرفوعا.
وقيل : تصير نارا والجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها. وقال أبي : تصير السموات حقابا. وقيل : تبديلها طيها.
وقيل : مرة كالمهل، ومرة وردة كالدهان، قاله ابن الأنباري. وقيل : بانشقاقها فلا تظل.
وفي الحديث :«إنّ اللّه يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي»
وفي كتاب الزمخشري وعن علي : تبدل أرضا من فضة، وسموات من ذهب.
وعن الضحاك : أرضا من فضة بيضاء كالصحائف. وعن ابن عباس : هي تلك الأرض وإنما تغير، وأنشد :
وما الناس بالناس الذين عهدتهم ولا الدار بالدار التي كنت تعلم
قال ابن عطية : وسمعت من أبي رضي اللّه عنه روى أن التبديل يقع في الأرض، ولكن تبدل لكل فريق بما يقتضيه حاله، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه، وفريق يكونون على فضة إن صح السند بها، وفريق الكفرة يكونون على نار ونحو هذا، وكله واقع تحت قدرة اللّه تعالى. وفي الحديث :«المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش، وفيه أنهم ذلك الوقت على الصراط»
وقال أبو عبد اللّه الرازي : المراد من تبديل الأرض والسموات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم، ويجعل السموات الجنة، والدليل عليه قوله تعالى : كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ «١» وقوله : كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ «٢» انتهى. وكلامه هذا يدل على أنّ الجنة والنار غير مخلوقتين، وظاهر القرآن والحديث أنهما قد خلقتا، وصح
في الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اطلع عليهما، ولا يمكن أن يطلع عليهما حقيقة إلا بعد خلقهما.
وبرزوا : أي ظهروا. لا يواريهم بناء ولا حصن، وانتصاب يوم على أنه بدل من يوم يأتيهم قاله الزمخشري، أو معمولا لمخلف وعده. وإن وما بعدها اعتراض قاله الحوفي.
(٢) سورة المطففين : ٨٣/ ١٨.