البحر المحيط، ج ٦، ص : ٤٨
أبي عبلة كذلك إلا أنه فتح الطاء. وقيل : قطع جمع قطعة، نحو سدر وسدرة، فيجوز إذ ذاك أن يوصف بالمذكر نحو : نخل منقعر، وبالمؤنث نحو نخل خاوية، ويجوز على هذا أن يكون مظلما حالا من الليل كما أعربوه في قراءة باقي السبعة، كأنما أغشيت وجوههم قطعا بتحريك الطاء بالفتح من الليل : مظلما بالنصب.
قال الزمخشري :(فإن قلت) : إذا جعلت مظلما حالا من الليل، فما العامل فيه؟
(قلت) : لا يخلو إما أن يكون أغشيت، من قبل أنّ من الليل صفة لقوله : قطعا، فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة. وإما أن يكون معنى الفعل في من الليل انتهى.
أما الوجه الأوّل فهو بعيد، لأنّ الأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في ذي الحال، والعامل في الليل هو مستقر الواصل إليه بمن، وأغشيت عامل في قوله : قطعا الموصوف بقوله : من الليل، فاختلفا فلذلك كان الوجه الأخير أولى أي : قطعا مستقرة من الليل، أو كائنة من الليل في حال إظلامه. وقيل : مظلما حال من قوله : قطعا، أو صفة. وذكر في هذين التوجيهين لأنّ قطعا في معنى كثير، فلوحظ فيه الإفراد والتذكير. وجوزوا أيضا في قراءة من سكن الطاء أن يكون مظلما حالا من قطع، وحالا من الضمير في من. قال ابن عطية : فإذا كان نعتا يعني : مظلما نعتا لقطع، فكان حقه أن يكون قبل الجملة، ولكن قد يجيء بعد هذا، وتقدير الجملة، قطعا استقر من الليل مظلما على نحو قوله : وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ «١» انتهى. ولا يتعين تقدير العامل في المجرور بالفعل فيكون جملة، بل الظاهر أن يقدر باسم الفاعل، فيكون من قبيل الوصف بالمفرد والتقدير : قطعا كائنا من الليل مظلما.
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ : الضمير في نحشرهم عائد على من تقدم ذكرهم من الَّذِينَ أَحْسَنُوا «٢» وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ «٣» وقرأ الحسن وشيبة والقراء السبعة : نحشرهم بالنون، وقرات فرقة بالياء. وقيل : يعود الضمير على الذين كسبوا السيئات، ومنهم عابد غير اللّه، ومن لا يعبد شيئا. وانتصب يوم على فعل محذوف أي : ذكرهم أو خوفهم ونحوه. وجميعا
(٢) سورة يونس : ١٠/ ٢٦. [.....]
(٣) سورة يونس : ١٠/ ٢٧.