البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٠٣
وظهوره على الكفار. وقال الزمخشري : كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة، أو نزول العذاب بهم يوم بدر استهزاء وتكذيبا بالوعد انتهى. وهذا الثاني قاله ابن جريج قال :
الأمر هنا ما وعد اللّه نبيه من النصر وظفره بأعدائه، وانتقامه منهم بالقتل والسبي ونهب الأموال، والاستيلاء على منازلهم وديارهم. وقال الضحاك : الأمر هنا مصدر أمر، والمراد به : فرائضه وأحكامه. قيل : وهذا فيه بعد، لأنه لم ينقل أنّ أحدا من الصحابة استعجل فرائض من قبل أن تفرض عليهم. وقال الحسن وابن جريج أيضا : الأمر عقاب اللّه لمن أقام على الشرك، وتكذيب الرسول، واستعجال العذاب منقول عن كثير من كفار قريش وغيرهم. وقريب من هذا القول قول الزجاج : هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم.
وقيل : الأمر بعض أشراط الساعة. وأتى قيل : باق على معناه من المضي، والمعنى : أتى أمر اللّه وعدا فلا تستعجلوه وقوعا. وقيل : أتى أمر اللّه، أتت مبادئه وأماراته. وقيل : عبر بالماضي عن المضارع لقرب وقوعه وتحققه، وفي ذلك وعيد للكفار. وقرأ الجمهور :
تستعجلوه بالتاء على الخطاب، وهو خطاب للمؤمنين أو خطاب للكفار على معنى : قل لهم فلا تستعجلوه. وقال تعالى : يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِين َ لا يُؤْمِنُونَ بِها
«١» وقرأ ابن جبير : بالياء نهيا للكفار، والظاهر عود الضمير في فلا تستعجلوه على الأمر لأنه هو المحدث عنه.
وقيل : يعود على اللّه أي : فلا تستعجلوا اللّه بالعذاب، أو بإتيان يوم القيامة كقوله :
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ «٢» وقرأ حمزة والكسائي : تشركون بتاء الخطاب، وباقي السبعة والأعرج وأبوه جعفر، وابن وضاح، وأبو رجاء، والحسن. وقرأ عيسى : الأولى بالتاء من فوق، والثانية بالياء والتاء من فوق معا الأعمش، وأبو العالية، وطلحة، وأبو عبد الرحمن، وابن وثاب، والجحدري، وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي ومصدرية. وأفضل قراءته عما يشركون باستعجالهم، لأن استعجالهم استهزاء وتكذيب، وذلك من الشرك. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو : ينزل مخففا، وباقي السبعة مشددا، وزيد بن علي والأعمش وأبو بكر : تنزل مشددا مبنيا للمفعول، الملائكة بالرفع. والجحدري كذلك، إلا أنه خفف. والحسن، وأبو العالية، والأعرج، والمفضل، عن عاصم ويعقوب : بفتح التاء مشددا مبنيا للفاعل. وقرأ ابن أبي عبلة : ما ننزل بنون العظمة والتشديد، وقتادة بالنون والتخفيف. قال ابن عطية :
وفيهما شذوذ كثير انتهى. وشذوذهما أنّ ما قبله وما بعده ضمير غيبة، ووجهه أنه التفات، والملائكة هنا جبريل وحده قاله الجمهور، أو الملائكة المشار إليهم بقوله :
(٢) سورة الحج : ٢٢/ ٢٧، والعنكبوت : ٢٩/ ٥٣ - ٥٤.