البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥١
وقال العذارى إنما أنت عمنا وكان الشباب كالخليط يزايله
وقال آخر :
لعمري لموت لا عقوبة بعده لذي البث أشفى من هوى لا يزايله
والظاهر أن التزييل أو المزايلة هو بمفارقة الأجسام وتباعده. وقيل : فرقنا بينهم في الحجة والمذهب قاله ابن عطية، وفزيلنا. وقال : هنا ماضيان لفظا، والمعنى : فنزيل بينهم ونقول : لأنهما معطوفان على مستقبل، ونفي الشركاء عبادة المشركين هو رد لقولهم : لإياكم كنا نعبد، والمعنى : إنكم كنتم تعبدون من أمركم أن تتخذوا للّه تعالى أندادا فأطعتموهم، ولما تنازعوا استشهد الشركاء باللّه تعالى. وانتصب شهيدا، قيل : على الحال، والأصح على التمييز لقبوله من. وتقدم الكلام في كفى وفي الياء، وأن هي الخفيفة من الثقيلة.
وعند القراء هي النافية، واللام بمعنى إلا، وقد تقدم الكلام في ذلك. واكتفاؤهم بشهادة اللّه هو على انتفاء أنهم عبدوهم. ثم استأنفوا جملة خبرية أنهم كانوا غافلين عن عبادتهم أي : لا شعور لنا بذلك. وهذا يرجح أن الشركاء هي الأصنام كما قال ابن عطية، لأنه لو كان الشركاء ممن يعقل من إنسي أو جني أو ملك لكان له شعور بعبادتهم، ولا شيء أعظم سببا للغفلة من الجمادية، إذ لا تحس ولا تشعر بشيء البتة.
هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ : هنالك ظرف مكان أي : في ذلك الموقف والمقام المقتضي للحيرة والدهش.
وقيل : هو إشارة إلى الوقت، استعير ظرف المكان للزمان أي : في ذلك الوقت. وقرأ الإخوان وزيد بن علي : تتلوا بتاءين أي : تتبع وتطلب ما أسلفت من أعمالها، قاله السدي.
ومنه قول الشاعر :
إن المريب يتبع المريبا كما رأيت الذيب يتلو الذيبا
قيل : ويصح أن يكون من التلاوة وهي القراءة أي : تقرأ كتبها التي تدفع إليها. وقرأ باقي السبعة : تبلوا بالتاء والباء أي : تختبر ما أسلفت من العمل فتعرف كيف هو أقبيح أم حسن، أنافع أم ضار، أمقبول أم مردود؟ كما يتعرف الرجل الشيء باختباره. وروي عن عاصم : نبلوا بنون وباء أي : نختبر. وكل نفس بالنصب، وما أسلفت بدل من كل نفس، أو منصوب على إسقاط الخافض أي : ما أسلفت. أو يكون نبلوا من البلاء وهو العذاب أي :
نصيب كل نفس عاصية بالبلاء بسبب ما أسلفت من العمل المسيء. وعن الحسن تبلوا