البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥١٠
أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم. كأنه قال : ومن بنيات الطرق في هذه السبيل، ومن شعبها. وقيل : أل في السبيل للجنس، وانقسمت إلى مصدر وهو طريق الحق، وإلى جائر وهو طريق الباطل، والجائر العادل عن الاستقامة والهداية كما قال :
يجور بها الملاح طورا ويهتدي وكما قال الآخر :
ومن الطريقة جائر وهدى قصد السبيل ومنه ذو دخل
قسم الطريقة : إلى جائر، وإلى هدى، وإلى ذي دخل وهو الفساد. وقال الزمخشري : ومعنى قوله : وعلى اللّه قصد السبيل إنّ هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه لقوله : إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى «١» (فإن قلت) : لم غير أسلوب الكلام في قوله :
ومنها جائر؟ (قلت) : ليعلم بما يجوز إضافته إليه من السبيلين وما لا يجوز، ولو كان كما تزعم المجبرة لقيل : وعلى اللّه قصد السبيل، وعليه جائرها، أو وعليه الجائر. وقرأ عبد اللّه : ومنكم جائر يعني ومنكم جائر عن القصد بسواء اختياره، واللّه بريء منه. ولو شاء لهداكم أجمعين قسرا والجاء انتهى. وهو تفسير على طريقة الاعتزال. وقيل : الضمير في ومنها يعود على الخلائق أي : ومن الخلائق جائر عن الحق. ويؤيده قراءة عيسى : ومنكم جائر، وكذا هي في مصحف عبد اللّه، وقراءة علي : فمنكم جائر بالفاء.
قال ابن عباس :
هم أهل الملل المختلفة. وقيل : اليهود والنصارى والمجوس. ولهداكم : لخلق فيكم الهداية، فلم يضل أحد منكم، وهي مشيئة الاختيار. وقال الزجاج : لفرض عليكم آية تضطركم إلى الاهتداء والإيمان. قال ابن عطية : وهذا قول سوء لأهل البدع الذين يرون أن اللّه لا يخلق أفعال العباد، لم يحصله الزجاج، ووقع فيه رحمة اللّه من غير قصد انتهى.
ولم يعرف ابن عطية أنّ الزجاج معتزلي، فلذلك تأول أنه لم يحصله، وأنه وقع فيه من غير قصد. وقال أبو علي : لو شاء لهداكم إلى الثواب، أو إلى الجنة بغير استحقاق. وقال ابن زيد : لو شاء لمحض قصد السبيل دون الجائر. ومفعول شاء محذوف لدلالة لهداكم أي :
ولو شاء هدايتكم.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ