البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٥٤
فَأَسْقَيْناكُمُوهُ «١» وقرأ أبو رجاء : يسقيكم بالياء مضمومة، والضمير عائد على اللّه أي :
يسقيكم اللّه. قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون مسندا إلى النعم، وذكر لأنّ النعم مما يذكر ويؤنث ومعناه : وأنّ لكم في الأنعام نعما يسقيكم أي : يجعل لكم سقيا انتهى.
وقرأت فرقة : بالتاء مفتوحة منهم أبو جعفر. قال ابن عطية : وهي ضعيفة انتهى. وضعفها عنده - واللّه أعلم - من حيث أنث في تسقيكم، وذكر في قوله مما في بطونه، ولا ضعف في ذلك من هذه الجهة، لأن التأنيث والتذكير باعتبار وجهين، وأعاد الضمير مذكرا مراعاة للجنس، لأنه إذا صح وقوع المفرد الدال على الجنس مقام جمعه جاز عوده عليه مذكرا كقولهم : هو أحسن الفتيان وأنبله، لأنه يصح هو أحسن فتى، وإن كان هذا لا ينقاس عند سيبويه، إنما يقتصر فيه على ما قالته العرب. وقيل : جمع التكسير فيما لا يعقل يعامل معاملة الجماعة، ومعاملة الجمع، فيعود الضمير عليه مفردا. كقوله :
مثل الفراخ نبقت حواصله وقيل : أفرد على تقدير المذكور كما يفرد اسم الإشارة بعد الجمع كما قال :
فيها خطوط من سواد وبلق كأنه في الجلد توليع البهق
فقال : كأنه وقدر بكان المذكور. قال الكسائي : أي في بطون ما ذكرنا. قال المبرد : وهذا سائغ في القرآن قال تعالى : إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ «٢» فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ «٣» أي ذكر هذا الشيء. وقال : فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي «٤» أي هذا الشيء الطالع. ولا يكون هذا إلا في التأنيث المجازى، لا يجوز جاريتك ذهب. وقالت فرقة : الضمير عائد على البعض، إذ الذكور لا ألبان لها، فكأنّ العبرة إنما هي في بعض الأنعام. وقال الزمخشري : ذكر سيبويه الأنعام في باب ما لا ينصرف في الأسماء المفردة على أفعال كقولهم : ثواب أكياش، ولذلك رجع الضمير إليه مفردا، وأما في بطونها في سورة المؤمنين فلأن معناه الجمع، ويجوز أن يقال في الأنعام وجهان : أحدهما : أن يكون تكسير نعم كالأجبال في جبل، وأن يكون اسما مفردا مقتضيا لمعنى الجمع كنعم، فإذا ذكر فكما يذكر نعم في قوله :

(١) سورة الحجر : ١٥/ ٢٢.
(٢) سورة المزمل : ٧٣/ ١٩.
(٣) سورة عبس : ٨٠/ ١٢.
(٤) سورة الأنعام : ٦/ ٧٨.


الصفحة التالية
Icon