البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٥٧
واحد لاختلاف مدلوليهما. ويجوز أن يكون من بين في موضع الحال، فتتعلق بمحذوف، لأنه لو تأخر لكان صفة أي : كائنا من بين فرث ودم. ويجوز أن يكون من بين فرث بدلا من ما في بطونه. وقرأت فرقة : سيغا بتشديد الياء، وعيسى بن عمر : سيغا مخففا من سيغ كهين المخفف من هين، وليس بفعل لازم كان يكون سوغا. والسائغ : السهل في الحلق اللذيذ، وروي في الحديث «أنّ اللبن لم يشرق به أحد قط»
ولما ذكر تعالى ما منّ به من بعض منافع الحيوان، ذكر ما منّ به من بعض منافع النبات. والظاهر تعلق من ثمرات بتتخذون، وكررت من للتأكيد، وكان الضمير مفردا راعيا لمحذوف أي : ومن عصير ثمرات، أو على معنى الثمرات وهو الثمر، أو بتقدير من المذكور. وقيل : تتعلق بنسقيكم، فيكون معطوفا على مما في بطونه، أو بنسقيكم محذوفة دل عليها نسقيكم المتقدمة، فيكون من عطف الجمل، والذي قبله من عطف المفردات إذا اشتركا في العامل. وقيل :
معطوف على الأنعام أي : ومن ثمرات النخيل والأعناب عبرة، ثم بين العبرة بقوله :
تتخذون. وقال الطبري : التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون. فحذف ما هو لا يجوز على مذهب البصريين، وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون صفة موصوف محذوف كقوله : بكفي كان من أرمي البشر. تقديره : ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه انتهى. وهذا الذي أجازه قاله الحوفي قال : أي وإن من ثمرات، وإن شئت شيء بالرفع بالابتداء، ومن ثمرات خبره انتهى.
والسكر في اللغة الخمر. قال الشاعر :
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم إذا جرى منهم المزّاء والسكر
وقال الزمخشري : سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا نحو : رشد رشدا ورشدا.
قال الشاعر :
وجاءونا بهم سكر علينا فأجلى اليوم والسكران صاحي
وقاله : ابن مسعود، وابن عمر، وأبو رزين، والحسن، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، وابن أبي ليلى، والكلبي، وابن جبير، وأبو ثور، والجمهور. وهذه الآية مكية نزلت قبل تحريم الخمر، ثم حرمت بالمدينة فهي منسوخة. قال الحسن : ذكر اللّه نعمته في السكر قبل تحريم الخمر. وقال ابن عباس : هو الخل بلغة الحبشة. وقيل : العصير الحلو الحلال، وسمي سكرا باعتبار مآله إذا ترك. وقال أبو عبيدة : السكر الطعم، يقال هذا سكر