البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٥٩
نحلة، ويؤنث في لغة الحجاز، ولذلك قال : أن اتخذي. وقرأ ابن وثاب : النحل بفتح الحاء، وأن تفسيرية، لأنه تقدم معنى القول وهو : وأوحى. أو مصدرية أي : باتخاذ، قال أبو عبد اللّه الرازي : أن هي المفسرة لما في الوحي من معنى القول، هذا قول جمهور المفسرين وفيه نظر. لأنّ الوحي هنا بإجماع منهم هو الإلهام، وليس في الإلهام معنى القول، وقال : قرر تعالى في أنفسها الأعمال العجيبة التي يعجز عنها للعقلاء من البشر منها بناؤها البيوت المسدسة من أضلاع، متساوية بمجرد طباعها، ولا يتم مثل ذلك العقلاء إلا بآلات كالمسطرة والبركان، ولم تبنها بأشكال غير تلك، فتضيق تلك البيوت عنها لبقاء فرج لا تسعها، ولها أمير أكبر جثة منها نافذ الحكم يخدمونه، وإذا نفرت عن وكرها إلى موضع آخر وأرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول وآلات الموسيقى، وبوساطة تلك الألحان تعود إلى وكرها، فلما امتازت بهذه الخواص العجيبة وليس إلا على سبيل الإلهام، وهي حالة تشبه الوحي لذلك قال : وأوحى ربك إلى النحل. انتهى ملخصا. ومن للتبعيض لأنها لا تبنى في كل جبل، وكل شجر، وكل ما يعرش، ولا في كل مكان منها. والظاهر أن البيوت هنا عبارة عن الكوى التي تكون في الجبال، وفي متجوف الأشجار. وأما من ما يعرش ابن آدم فالخلايا التي يصنها للنحل ابن آدم، والكوى التي تكون في الحيطان. ولما كان النحل نوعين : منه ما مقره في الجبال والغياض ولا يتعهده أحد، ومنه ما يكون في بيوت الناس ويتعهد في الخلايا ونحوها، شمل الأمر باتخاذ البيوت النوعين. وقال الزمخشري : ما يدل على أنّ البيوت ليست الكوى، وإنما هي ما تبنيه هي، فقال : أريد معنى البعضية، يعني بمن، وأن لا يبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكلّ ما يعرش. وقال ابن زيد : ومما يعرشون الكروم. وقال الطبري : مما يبنون من السقوف. قال ابن عطية :
وهذا منهما تفسير غير متقن انتهى. وقرأ السلمي، وعبيد بن نضلة، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم : بضم الراء، وباقي السبعة بكسرها، وتقتضي ثم المهلة والتراخي بين الاتخاذ والأكل الذي تدخر منه العسل، فلذلك كان العطف بثم وهو معطوف على اتخذي، وهو أمر معطوف على أمر، وسيأتي الكلام على أمر غير المكلف في قوله : يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «١» إن شاء اللّه وكل الثمرات عام مخصوص أي : المعتادة، لا كلها. قال الزمخشري : أي ابني البيوت ثم كلي من كل ثمرة تشتهيها انتهى. فدل قوله : أي ابني

(١) سورة النمل : ٢٧/ ١٨.


الصفحة التالية
Icon