البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٦٣
عملهما، لأن اللام مشعرة بالتعليل، وكي حرف مصدري، واللام جارة، وكي ناصبة. وقال ابن عطية : يشبه أن تكون لام صيرورة والمعنى : ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئا. وهذه عبارة عن قلة علمه، لا أنه لا يعلم شيئا البتة. وقال الزمخشري :
ليصير إلى حالة شبيهة بحالة في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه. وقيل : لئلا يعقل من بعد عقله الأول شيئا. وقيل : لئلا يعلم زيادة علم على علمه انتهى. وانتصب شيئا إما بالمصدر على مذهب البصريين في اختيار أعماله ما يلي للقرب، أو بيعلم على مذهب الكوفيين في اختيار أعمال ما سبق للسبق.
ولما ذكر ما يعرض في الهرم من ضعف القوى والقدرة وانتفاء العلم، ذكر علمه وقدرته اللذين لا يتبدلان ولا يتغيران ولا يدخلهما الحوادث، ووليت صفة العلم ما جاورها من انتفاء العلم، وتقدم أيضا ذكر مناسبة للختم بهذين الوصفين. ولما ذكر تعالى خلقنا، ثم إماتتنا وتفاوتنا في السن، ذكر تفاوتنا في الرزق، وأن رزقنا أفضل من رزق المماليك وهم بشر مثلنا، وربما كان المملوك خيرا من المولى في العقل والدين والتصرف، وأن الفاضل في الرزق لا يساهم مملوكه فيما رزق فيساويه، وكان ينبغي أن يردّ فضل ما رزق عليه ويساويه في المطعم والملبس، كما يحكى عن أبي ذرّ أنه ريء عبده وإزاره ورداؤه مثل ردائه من غير تفاوت، عملا
بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون»
وعن ابن عباس وقتادة : أنّ الإخبار بقوله : فما الذين فضلوا برادي رزقهم على سبيل المثل أي : إنّ المفضلين في الرزق لا يصح منهم أن يساهموا مماليكهم فيما أعطوا حتى تستوي أحوالهم، فإذا كان هذا في البشر فكيف تنسبون أنتم أيها الكفرة إلى اللّه تعالى أنه يشرك في ألوهيته الأوثان والأصنام، ومن عبد من الملائكة وغيرهم والجميع عبيده وخلقه؟ وعن ابن عباس : أن الآية مشيرة إلى عيسى ابن مريم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. وقال المفسرون : هذه الآية كقوله : ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ «١» الآية. وقيل : المعنى أن الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعا، فهم في رزقي سواء، فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئا من الرزق، فإنما ذلك أجريه إليهم على أيديهم. وعلى هذا القول يكون فهم فيه سواء جملة إخبار عن تساوي الجميع في أن اللّه تعالى هو رازقهم، وعلى القولين الآخرين تكون الجملة فى