البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٦٤
موضع جواب النفي كأنه قيل : فيستووا. وقيل : هي جملة استفهامية حذف منها الهمزة التقدير : أفهم فيه سواء أي : ليسوا مستوين في الرزق، بل التفضيل واقع لا محالة. ثم استفهم عن جحودهم نعمة استفهام إنكار، وأتى بالنعمة الشاملة للرزق وغيره من النعم التي لا تحصى أي : إنّ من تفضل عليكم بالنشأة أولا ثم مما فيه قوام حياتكم جدير بأن تشكر نعمه ولا تكفر.
وقرأ أبو بكر عن عاصم، وأبو عبد الرحمن، والأعرج بخلاف عنه : تجحدون بالتاء على الخطاب لقوله : فضل، تبكيتا لهم في جحد نعمة اللّه. ولما ذكر تعالى امتنانه بالإيجاد ثم بالرزق المفضل فيه، ذكر امتنانه بما يقوم بمصالح الإنسان مما يأنس به ويستنصر به ويخدمه، واحتمل من أنفسكم أن يكون المراد من جنسكم ونوعكم، واحتمل أن يكون ذلك باعتبار خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، فنسب ذلك إلى بني آدم، وكلا الاحتمالين مجاز. والظاهر أن عطف حفدة على بنين يفيد كون الجميع من الأزواج، وأنهم غير البنين.
فقال الحسن : هم بنو ابنك. وقال ابن عباس والأزهري : الحفدة أولاد الأولاد، واختاره ابن العربي. وقال ابن عباس أيضا : البنون صغار الأولاد، والحفدة كبارهم. وقال مقاتل :
بعكسه، وقيل : البنات لأنهنّ يخدمن في البيوت أتم خدمة. ففي هذا القول خص البنين بالذكران لأنه جمع مذكر كما قال : الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا «١» وإنما الزينة في الذكورة. وعن ابن عباس : هم أولاد الزوجة من غير الزوج التي هي في عصمته. وقيل :
وحفدة منصوب بجعل مضمرة، وليسوا داخلين في كونهم من الأزواج. فقال ابن مسعود، وعلقمة، وأبو الضحى، وابراهيم بن جبير : الأصهار، وهم قرابة الزوجة كأبيها وأخيها.
وقال مجاهد : هم الأنصار والأعوان والخدم. وقالت فرقة : الحفدة هم البنون أي : جامعون بين البنوة والخدمة، فهو من عطف الصفات لموصوف واحد. قال ابن عطية ما معناه : وهذه الأقوال مبنية على أن كل أحد جعل له من زوجه بنين وحفدة، وهذا إنما هو في الغالب وعظم الناس. ويحتمل عندي أن قوله من أزواجكم، إنما هو على العموم والاشتراك أي :
من أزواج البشر جعل اللّه منهم البنين، ومنهم جعل الخدمة، وهكذا رتبت الآية النعمة التي تشمل العالم. ويستقيم لفظ الحفدة على مجراها في اللغة، إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة انتهى. وفي قوله : من أنفسكم أزواجا دلالة على كذب العرب في