البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٦٥
اعتقادها أن الآدمي قد يتزوج من الجن ويباضعها، حتى حكوا ذلك عن عمرو بن هندانة تزوج سعلاة.
ومن في الطيبات للتبعيض، لأن كل الطيبات في الجنة، والذي في الدنيا أنموذج منها. والظاهر أنّ الطيبات هنا المستلذات لا الحلال، لأن المخاطبين كفار لا يتلبسون بشرع. ولما ذكر تعالى ما امتن به من جعل الأزواج وما ننتفع به من جهتين، ذكر مننه بالرزق. والطيبات عام في النبات والثمار والحبوب والأشربة، ومن الحيوان. وقيل :
الطيبات الغنائم. وقيل : ما أتى من غير نصب. وقال مقاتل : الباطل الشيطان، ونعمة اللّه محمد صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال الكلبي : طاعة الشيطان في الحلال والحرام. وقيل : ما يرجى من شفاعة الأصنام وبركتها. قال الزمخشري : أفبالباطل يؤمنون وهو ما يعتقدون من مننفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها، وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة، فليس لهم إيمان إلا به، كأنه شيء معلوم مستيقن. ونعمة اللّه المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل، وتمييزهم كافرون بها منكرون لها كما ينكر المحال الذي لا تتصوره العقول. وقيل :
الباطل ما يسول لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما، ونعمة اللّه ما أحل لهم انتهى. وقرأ الجمهور : يؤمنون بالياء، وهو توقيف للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم على إيمانهم بالباطل، ويندرج في التوقيف المعطوف بعدها. وقرأ السلمي بالتاء، ورويت عن عاصم، وهو خطاب إنكار وتقريع لهم، والجملة بعد ذلك مجرد إخبار عنهم. فالظاهر أنه لا يندرج في التقريع. ويعبدون، استفهام أخبار عن حالهم في عبادة الأصنام، وفي ذلك تبيين لقوله :
أفبالباطل يؤمنون، نعى عليهم فساد نظرهم في عبادة ما لا يمكن أن يقع منه ما يسعى عابده في تحصيله منه وهو الرزق، ولا هو في استطاعته. فنفى أولا أن يكون شيء من الرزق في ملكهم، ونفى ثانيا قدرتها على أن تحاول ذلك، وما لا تملك في جميع من عبد من دون اللّه من ملك أو آدمي أو غير ذلك. وأجازوا في شيئا انتصابه بقوله : رزقا، أجاز ذلك أبو عليّ وغيره. ورد عليه ابن الطراوة بأنّ الرزق هو المرزوق كالرعي والطحن، والمصدر هو الرزق بفتح الراء كالرعي والطحن. ورد على ابن الطراوة بأنّ الرزق بالكسر يكون أيضا مصدرا، وسمع ذلك فيه، فصح أن يعمل في المفعول به والمعنى : ما لا يملك أن يرزق من السموات والأرض شيئا. ومن السموات متعلق إذ ذاك بالمصدر. قال ابن عطية بعد أن ذكر أعمال المصدر منونا : والمصدر يعمل مضافا باتفاق، لأنه في تقدير الانفصال، ولا يعمل إذا دخله الألف واللام لأنه قد توغل في حال الأسماء وبعد عن الفعلية. وتقدير