البحر المحيط، ج ٦، ص : ٥٩٨
إلى قريش هم الكاذبون، هم الذين لا يؤمنون فهم الكاذبون. أو إلى الذين لا يؤمنون أي :
وأولئك هم الكاذبون على الحقيقة الكاملون في الكذب، لأن تكذيب آيات اللّه أعظم الكذب. أو أولئك هم الكاذبون عادتهم الكذب لا يبالون به في كل شيء، لا يحجبهم عنه مروءة ولا دين. أو أولئك هم الكاذبون في قولهم : إنما أنت مفتر انتهى. والوجه الذي بدأ به بعيد، وهو أن وأولئك إشارة إلى قريش. والظاهر أن من شرطية في موضع رفع على الابتداء، وهو استئناف إخبار لا تعلق له بما قبله من جهة الإعراب. ولما كان الكفر يكون باللفظ وبالاعتقاد، استثنى من الكافرين من كفر باللفظ وقلبه مطمئن بالإيمان، ورخص له في النطق بكلمة الكفر إذ كان قلبه مؤمنا، وذلك مع الإكراه. والمعنى : إلا من أكره على الكفر، تلفظ بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وجواب الشرط محذوف لدلالة ما بعده عليه تقديره : الكافرون بعد الإيمان غير المكرهين، فعليهم غضب. ويصح أن يكون الاستثناء من ما تضمنه جواب الشرط المحذوف أي : فعليهم غضب، إلا من أكره فلا غضب عليه ولا عذاب، ولكن من شرح وكذا قدره الزمخشري أعني الجواب قبل الاستثناء في قول من جعل من شرطا. وقال ابن عطية : وقالت فرقة من في قوله من كفر ابتداء، وقوله : من شرح تخصيص منه، ودخل الاستثناء لإخراج عمار وشبهه. ودنا من الاستثناء الأول الاستدراك بلكن وقوله : فعليهم، خبر عن من الأولى والثانية، إذ هو واحد بالمعنى لأن الإخبار في قوله : من كفر، إنما قصد به الصنف الشارح بالكفر انتهى. وهذا وإن كان كما ذكر فهاتان جملتان شرطيتان، وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك، فلا بد لكل واحدة منهما من جواب على انفراده لا يشتركان فيه، فتقدير الحذف أحرى على صناعة الإعراب.
وقد ضعفوا مذهب أبي الحسن في ادعائه أن قوله : فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ «١» وقوله : فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ «٢» جواب لأما، ولأنّ هذا وهما أداتا شرط، إحداهما تلي الأخرى، وعلى كون من في موضع رفع على الابتداء، يجوز أن تكون شرطية كما ذكرنا، ويجوز أن تكون موصولة وما بعدها صلتها، والخبر محذوف لدلالة ما بعده عليه، كما ذكرنا في حذف جواب الشرط. إلا أن من الثانية لا يجوز أن تكون شرطا حتى يقدر قبلها مبتدأ لأنّ من وليت لكن فيتعين إذ ذاك أن تكون من موصولة، فإن قدر مبتدأ بعد لكن جاز أن تكون شرطية في موضع خبر ذلك المبتدأ المقدر كقوله :

(١) سورة الواقعة : ٥٦/ ٩١.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦/ ٣٩.


الصفحة التالية
Icon