البحر المحيط، ج ٦، ص : ٦٠٧
الحروف المصدرية حكم أنّ فلا يوجد من كلامهم وصف المصدر المنسبك من أن ولا، من ما ولا، من كي، بخلاف صريح المصدر فإنه يجوز أن ينعت، وليس لكل مقدر حكم المنطوق به وإنما يتبع في ذلك ما تكلمت به العرب.
وقرأ معاذ، وابن أبي عبلة، وبعض أهل الشام : الكذب بضم الثلاثة صفة للألسنة، جمع كذوب. قال صاحب اللوامح : أو جمع كاذب أو كذاب انتهى. فيكون كشارف وشرف، أو مثل كتاب وكتب، ونسب هذه القراءة صاحب اللوامح لمسلمة بن محارب.
وقال ابن عطية : وقرأ مسلمة بن محارب الكذب بفتح الياء على أنه جمع كذاب، ككتب في جمع كتاب. وقال صاحب اللوامح : وجاء عن يعقوب الكذب بضمتين والنصب، فأما الضمتان فلأنه جمع كذاب وهو مصدر، ومثله كتاب وكتب. وقال الزمخشري : بالنصب على الشتم، أو بمعنى الكلم الكواذب، أو هو جمع الكذاب من قولك : كذب كذابا ذكره ابن جني انتهى. والخطاب على قول الجمهور بقوله : ولا تقولوا، للكفار في شأن ما أحلوا وما حرموا من أمور الجاهلية، وعلى ذلك الزمخشري وابن عطية. وقال العسكري :
الخطاب للمكلفين كلهم أي : لا تسموا ما لم يأتكم حظره ولا إباحته عن اللّه ورسوله حلالا ولا حراما، فتكونوا كاذبين على اللّه في إخباركم بأنه حلله وحرمه انتهى. وهذا هو الظاهر، لأنه خطاب معطوف على خطاب وهو : فكلوا إنما حرم عليكم، فهو شامل لجميع المكلفين. واللام في لتفتروا لام التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض، قاله الزمخشري، وهي التي تسمى لام العاقبة ولام الصيرورة. قيل : ذلك الافتراء ما كان غرضا لهم، والظاهر أنها لام التعليل وأنهم قصدوا الافتراء كما قالوا : وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا «١» واللّه أمرنا بها، ولا يكون ذلك على سبيل التوكيد لما تقدم لتضمنه الكذب، لأنّ هذا التعليل فيه التنبيه على من افتروه عليه، وهو اللّه تعالى. وقال الواحدي : لتفتروا على اللّه الكذب يدل من قوله : لما تصف ألسنتكم الكذب، لأنّ وصفهم الكذب هو افتراء على اللّه، ففسر وصفهم بالافتراء على اللّه انتهى. وهو على تقدير ما مصدرية، وأما إذا كانت بمعنى الذي فاللام في لما ليست للتعليل، فيبدل منها ما يقتضي التعليل، بل اللام متعلقة بلا تقولوا على حد تعلقها في قولك : لا تقولوا، لما أحل اللّه هذا حرام أي : لا تسموا الحلال حراما، وكما تقول لزيد عمرو أي لا تطلق على زيد هذا الاسم. والظاهر أنهم افتروا على اللّه حقيقة،