البحر المحيط، ج ٦، ص : ٦٢
يدفعها. وفيه تفريق كلمة الكفار، وأنهم ليسوا مستوين في اعتقاداتهم، بل هم مضطربون وإن شملهم التكذيب والكفر. وقيل : الضمير في ومنهم عائد على أهل الكتاب، والظاهر عوده على من عاد عليه ضمير أم يقولون، وتعلق العلم بالمفسدين وحدهم تهديد عظيم لهم.
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ : أي وإن تمادوا على تكذيبك فتبرأ منهم قد أعذرت وبلغت كقوله : فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ «١» ومعنى لي عملي أي : جزاء عملي ولكم جزاء عملكم.
ومعنى عملي الصالح المشتمل على الإيمان والطاعة، ولكم عملكم المشتمل على الشرك والعصيان. والظاهر أنها آية منابذة لهم وموادعة، وضمنها الوعيد كقوله : قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ «٢» السورة. وقيل : المقصود بذلك استمالتهم وتأليف قلوبهم. وقال قوم منهم ابن زيد : هي منسوخة بالقتال لأنها مكية، وهو قول : مجاهد، والكلبي، ومقاتل. وقال المحققون : ليست بمنسوخة، ومدلولها اختصاص كل واحد بأفعاله، وثمراتها من الثواب والعقاب، ولم ترفع آية السيف شيئا من هذا. وبدأ في المأمور بقوله : لي عملي لأنه آكد في الانتفاء منهم وفي البراءة بقوله : أنتم بريئون مما أعمل، لأنّ هذه الجملة جاءت كالتوكيد والتتميم لما قبلها، فناسب أن تلي قوله : ولكم عملكم. ولمراعاة الفواصل، إذ لو تقدم ذكر براءة كما تقدم ذكر لي عملي لم تقع الجملة فاصلة، إذ كان يكون التركيب وأنتم بريئون مما أعمل.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ : قال ابن عباس : نزلت الآيتان في النضر بن الحرث وغيره من المستهزئين. وقال ابن الأنباري : في قوم من اليهود انتهى. وهذه الآية فيها تقسيم من لا يؤمن من الكفار إلى هذين القسمين بعد تقسيم المكذبين إلى من يؤمن ومن لا يؤمن، والضمير في يستمعون عائد على معنى من، والعود على المعنى دون العود على اللفظ في الكثرة وهو كقوله : وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ «٣» والمعنى : من يستمعون إليك إذا

(١) سورة الشعراء : ٢٦/ ٢١٦.
(٢) سورة الكافرون : ١٠٩/ ١.
(٣) سورة الأنبياء : ٢١/ ٨٢.


الصفحة التالية
Icon