البحر المحيط، ج ٧، ص : ١٤٥
أي بعد عَدَداً وبمعنى اسم المفعول كالقبض والنفض، ووصف به سِنِينَ أي سِنِينَ معدودة. والظاهر في قوله عَدَداً الدلالة على الكثرة لأنه لا يحتاج أن يعد إلّا ما كثر لا ما قل.
وقال الزمخشري : ويحتمل أن يريد القلة لأن الكثير قليل عنده كقوله لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ «١» انتهى وهذا تحريف في التشبيه لأن لفظ الآية كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلّا ساعة من نهار، فهذا تشبيه لسرعة انقضاء ما عاشوا في الدنيا إذا رأوا العذاب كما قال الشاعر :
كأن الفتى لم يعر يوما إذا اكتسي ولم يك صعلوكا إذا ما تمولا
ثُمَّ بَعَثْناهُمْ أي أيقظناهم من نومهم، والبعث التحريك عن سكون إما في الشخص وإما عن الأمر المبعوث فيه، وإن كان المبعوث فيه متحركا ولِنَعْلَمَ أي لنظر لهم ما علمناه من أمرهم، وتقدم الكلام في نظير هذا في قوله لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ «٢». وفي التحرير وقرأ الجمهور : لِنَعْلَمَ بالنون، وقرأ الزهري بالياء وفي كتاب ابن خالوية ليعلم أَيُّ الْحِزْبَيْنِ حكاه الأخفش. وفي الكشاف وقرىء ليعلم وهو معلق عنه لأن ارتفاعه بالإبتداء لا بإسناد يعلم إليه، وفاعل يعلم مضمون الجملة كما أنه مفعول يعلم انتهى. فأما قراءة لنعلم فيظهر أن ذلك التفات خرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة، فيكون معناها ومعنى لِنَعْلَمَ بالنون سواء، وأما ليعلم فيظهر أن المفعول الأول محذوف لدلالة المعنى عليه، والتقدير ليعلم اللّه الناس أَيُّ الْحِزْبَيْنِ. والجملة من الابتداء والخبر في موضع مفعولي يعلم الثاني والثالث، وليعلم معلق. وأما ما في الكشاف فلا يجوز ما ذكر على مذهب البصريين لأن الجملة إذ ذاك تكون في موضع المفعول الذي لا يسمى فاعله وهو قائم مقام الفاعل، فكما أن تلك الجملة وغيرها من الجمل لا تقوم مقام الفاعل فكذلك لا يقوم مقام ما ناب عنه. وللكوفيين مذهبان :
أحدهما : أنه يجوز الإسناد إلى الجملة اللفظية مطلقا.
والثاني : أنه لا يجوز إلّا إن كان مما يصح تعليقه.
والظاهر أن الحزبين هما منهم لقوله تعالى وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَسائَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ «٣» الآية. وكأن الذين قالوا ربكم أعلم بما لبثتم علموا أن لبثهم تطاول، ويدل على
(٢) سورة البقرة : ٢/ ١٤٣.
(٣) سورة الكهف : ١٨/ ١٩.