البحر المحيط، ج ٧، ص : ٢٥٧
أَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
فَأَتَتْ بِهِ قيل إتيانها كان من ذاتها. قيل : طهرت من النفاس بعد أربعين يوما وكان اللّه تعالى قد أراها آيات واضحات، وكلمها عيسى ابنها وحنت إلى الوطن وعلمت أن عيسى سيكفيها من يكلمها فعادت إلى قومها. وقيل : أرسلوا إليها لتحضري إلينا بولدك، وكان الشيطان قد أخبر قومها بولادتها وفي الكلام حذف أي فلما رأوها وابنها قالُوا قال مجاهد والسدّي : الفري العظيم الشنيع. وقرأ أبو حيوة فيما نقل ابن عطية فَرِيًّا بسكون الراء، وفيما نقل ابن خالويه فرئا بالهمز. وهارُونَ شقيقها أو أخوها من أمّها، وكان من أمثل بني إسرائيل، أو هارُونَ أخو موسى إذ كانت من نسله، أو رجل صالح من بني إسرائيل شبهت به، أو رجل من النساء وشبهوها به أقوال. والأولى أنه أخوها الأقرب. وفي حديث المغيرة حين خصمه نصارى نجران في قوله تعالى يا أُخْتَ هارُونَ والمدة بينهما طويلة جدا فقال له الرسول :«ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم».
وأنكروا عليها ما جاءت به وأن أبويها كانا صالحين، فكيف صدرت منك هذه الفعلة القبيحة وفي هذا دليل على أن الفروع غالبا تكون زاكية إذا زكت الأصول، وينكر عليها إذا جاءت بضد ذلك.
وقرأ عمر بن لجا التيمي الشاعر الذي كان يهاجي جريرا ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ لجعل الخبر المعرفة والاسم النكرة وحسن ذلك قليلا كونها فيها مسوع جواز الابتداء وهو الإضافة، ولما اتهموها بما اتهموها نفوا عن أبويها السوء لمناسبة الولادة، ولم ينصوا على إثبات الصلاح وإن كان نفي السوء يوجب الصلاح ونفي البغاء يوجب العفة لأنهما بالنسبة إليهما نقيضان.
روي أنها لما دخلت به على قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا وقالوا ذلك. وقيل : هموا برجمها حتى تكلم عيسى فتركوها.
فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه. وقيل : كان المستنطق لعيسى زكريا.
ويروى أنهم لما أشاروا إلى الطفل قالوا : استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا لها على جهة الإنكار والتهكم بها أي إن من كان في المهد يربيّ لا يكلم، وإنما


الصفحة التالية
Icon