البحر المحيط، ج ٧، ص : ٤٩٩
أحسن من مقدر ابن عطية لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ، وابن عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك. وقيل : الواو في وَيَصُدُّونَ زائدة وهو خبر إن تقديره إن الذين كفروا يصدون. قال ابن عطية : وهذا مفسد للمعنى المقصود انتهى. ولا يجيز البصريون زيادة الواو وإنما هو قول كوفي مرغوب عنه.
وهذه الآية نزلت عام الحديبية حين صدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن المسجد الحرام وذلك أنه لم يعلم لهم صد قبل ذلك بجمع إلّا أن يراد صدهم لأفراد من الناس فقد وقع ذلك في صدر المبعث، والظاهر أنه نفس المسجد ومن صد عن الوصول إليه فقد صد عنه. وقيل :
الحرم كله لأنهم صدوه وأهله عليه السلام فنزلوا خارجا عنه لكنه قصد بالذكر المهم المقصود من الحرم.
وقرأ الجمهور سواء بالرفع على أن الجملة من مبتدأ وخبر في موضع المفعول الثاني، والأحسن أن يكون الْعاكِفُ والْبادِ هو المبتدأ وسَواءً الخبر، وقد أجيز العكس. وقال ابن عطية : والمعنى الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ قبلة أو متعبدا انتهى. ولا يحتاج إلى هذا التقدير إلّا إن كان أراد تفسير المعنى لا الإعراب فيسوغ لأن الجملة في موضع المفعول الثاني، فلا يحتاج إلى هذا التقدير. وقرأ حفص والأعمش سَواءً بالنصب وارتفع به الْعاكِفُ لأنه مصدر في معنى مستو اسم الفاعل. ومن كلامهم : مررت برجل سواء هو والعدم، فإن كانت جعل تتعدى إلى اثنين فسواء الثاني أو إلى واحد فسواء حال من الهاء. وقرأت فرقة منهم الأعمش في رواية القطعي سواء بالنصب العاكف فيه بالجر. قال ابن عطية : عطفا على الناس انتهى. وكأنه يريد عطف البيان والأولى أن يكون بدل تفصيل.
وقرىء والبادي وصلا ووقفا وبتركها فيهما، وبإثباتها وصلا وحذفها وقفا الْعاكِفُ المقيم فيه والبادي الطارئ عليه، وأجمعوا على الاستواء في نفس المسجد الحرام واختلفوا في مكة، فذهب عمر وابن عباس ومجاهد وجماعة إلى أن الأمر كذلك في دوس مكة، وأن القادم له النزول حيث وجد وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى، وقال به الثوري وكذلك كان الأمر في الصدر الأول. قال ابن سابط : وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة، فاتخذ رجل بابا فأنكر عليه عمر وقال : أتغلق بابا في وجه حاج بيت اللّه؟ فقال : إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة فتركه، فاتخذ الناس الأبواب


الصفحة التالية
Icon