البحر المحيط، ج ٧، ص : ٥٣٧
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ.
لما ذكر تعالى أن الكفار يعبدون ما لا دليل على عبادته لا من سمع ولا من عقل ويتركوا عبادة من خلقهم، ذكر ما عليه معبوداتهم من انتفاء القدرة على خلق أقل الأشياء بل على ردّ ما أخذه ذلك الأقل منه، وفي ذلك تجهيل عظيم لهم حيث عبدوا من هذه صفته لقوله إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ بتاء الخطاب. وقيل : خطاب للمؤمنين أراد اللّه أن يبين لهم خطأ الكافرين فيكون تَدْعُونَ خطابا لغيرهم الكفار عابدي غير اللّه. وقيل : الخطاب عام يشمل من نظر في أمر عبادة غير اللّه، فإنه يظهر له قبح ذلك. وضُرِبَ مبني للمفعول، والظاهر أن ضارب المثل هو اللّه تعالى، ضرب مثلا لما يعبد من دونه أي بين شبها لكم ولمعبودكم. وقيل : ضارب المثل هم الكفار، جعلوا مثلا للّه تعالى أصنامهم وأوثانهم أي فاسمعوا أنتم أيها الناس لحال هذا المثل ونحوه ما قال الأخفش قال : ليس هاهنا مَثَلٌ وإنما المعنى جعل الكفار للّه مثلا. وقيل : هو مَثَلٌ من حيث المعنى لأنه ضُرِبَ مَثَلٌ من يعبد الأصنام بمن يعبد ما لا يخلق ذبابا.
وقال الزمخشري : فإن قلت : الذي جاء به ليس بمثل فكيف سماه مثلا؟ قلت : قد سميت الصفة أو القصة الرائقة المتلقاة بالاستحسان والاستغراب مثلا تشبيها لها ببعض الأمثال المسيرة لكونها مستحسنة مستغربة عندهم انتهى.
وقرأ الجمهور تَدْعُونَ بالتاء. وقرأ الحسن ويعقوب وهارون والخفاف ومحبوب عن أبي عمرو بالياء وكلاهما مبني للفاعل. وقرأ اليماني وموسى الأسواري بالياء من أسفل مبنيا للمفعول. وقال الزمخشري لَنْ أخت لا في نفي المستقبل إلّا أن تنفيه نفيا مؤكدا، وتأكيده هنا الدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل مناف لأحوالهم كأنه قال : محال أن يخلقوا انتهى. وهذا القول الذي قاله في لَنْ هو المنقول عنه أن لَنْ للنفي على التأييد، ألا تراه فسر ذلك بالاستحالة وغيره من النحاة يجعل لَنْ مثل لا في النفي ألا