البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٤٩
مُصْبِحِينَ
«١»، والمعنى : تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها عليّ. وقال الزجاج : يجوز أن يكون في موضع نصب، المعنى أنها صارت نعمة عليّ، لأن عبدت بني إسرائيل، أي لو لم تفعل لكفلني أهلي ولم يلقوني في اليم. انتهى. وقال الحوفي : أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ في موضع نصب مفعول من أجله. وقال أبو البقاء : بدل، ولما أخبر موسى فرعون بأنه رسول رب العالمين، لم يسأل إذ ذاك فيقول : وَما رَبُّ الْعالَمِينَ؟ بل أخذ في المداهاة وتذكار التربية والتقبيح لما فعله من قتل القبطي. فلما أجابه عن ذلك انقطعت حجته في التربية والقتل، وكان في قوله : سُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
دعاء إلى الإقرار بربوبية اللّه، وإلى طاعة رب العالم، فأخذ فرعون يستفهم عن الذي ذكر موسى أنه رسول من عنده. والظاهر أن سؤاله إنما كان على سبيل المباهتة والمكابرة والمرادّة، وكان عالما باللّه. ويدل عليه :
لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ «٢»، ولكنه تعامى عن ذلك طلبا للرياسة ودعوى الإلهية، واستفهم بما استفهاما عن مجهول من الأشياء. قال مكي : كما يستفهم عن الأجناس، وقد ورد له استفهام بمن في موضع آخر، ويشبه أنها مواطن.
انتهى. والموضع الآخر قوله : فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى ؟ «٣» ولما سأله فرعون، وكان السؤال بما التي هي سؤال عن الماهية، ولم يمكن الجواب بالماهية، أجاب بالصفات التي تبين للسامع أنه لا مشاركة لفرعون فيها، وهي ربوبية السموات والأرض وما بينهما. وقال الزمخشري : وهذا السؤال لا يخلو أن يريد به أي شيء من الأشياء التي شوهدت وعرفت أجناسها، فأجاب بما يستدل عليه من أفعاله الخاصة، ليعرفه أنه ليس مما شوهد وعرف من الأجرام والأعراض، وأنه شيء مخالف لجميع الأشياء، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ. وأما أن يريد أنه شيء على الإطلاق تفتيشا عن حقيقة الخاصة ما هي، فأجاب بأن الذي سألت عنه ليس إليه سبيل، وهو الكافي في معرفته معرفة بيانه بصفاته استدلالا بأفعاله الخاصة على ذلك وأما التفتيش عن حقيقة الخاصة التي هي فوق فطر العقول، فتفتيش عما لا سبيل إليه، والسائل عنه متعنت غير طالب للحق. والذي يليق بحال فرعون، ويدل عليه الكلام، أن كون سؤاله إنكارا لأن يكون للعالمين رب سواه، ألا ترى أنه يعلم حدوثه بعد العدم؟
وأنه محل للحوادث؟ وأنه لم يدعّ الإلهية إلا في محل ملكه مصر؟ وأنه لم يكن ملك الأرض؟ بل كان فيها ملوك غيره، وأنبياء في ذلك الزمان يدعون إلى اللّه كشعيب عليه
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ١٠١.
(٣) سورة طه : ٢٠/ ٤٩.