البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٦٩
تحية بينهم ضرب وجيع وما ثوابه إلى السيف، ومثاله أن يقال : هل لزيد مال وبنون؟ فيقول : ماله وبنوه سلامة قلبه، تريد نفي المال والبنين عنه، وإثبات سلامة القلب له بدلا عن ذلك. وإن شئت حملت الكلام على المعنى، وجعلت المال والبنين في معنى الغنى، كأنه قيل : يوم لا ينفع غنى إلا غنى من أتى اللّه بقلب سليم، لأن غنى الرجل في دينه بسلامة قلبه، كما أن غناه في دنياه بماله وبنيه. انتهى. وجعله بعضهم استثناء مفرغا، فمن مفعول، والتقدير : لا ينفع مال ولا بنون أحدا إلا من أتى اللّه بقلب سليم، فإنه ينفعه ماله المصروف في وجوه البر، وبنوه الصلحاء، إذ كان أنفقه في طاعة اللّه، وأرشد بنيه إلى الدين، وعلمهم الشرائع وسلامة القلب، خلوصه من الشرك والمعاصي، وعلق الدنيا المتروكة وإن كانت مباحة كالمال والبنين. وقال سفيان : هو الذي يلقى ربه وليس في قلبه شيء غيره، وهذا يقتضي عمومه اللفظ، ولكن السليم من الشرك هو الأعم. وقال الجنيد : بقلب لديغ من خشية اللّه، والسليم : اللديغ. وقال الزمخشري : هو من بدع التفاسير وصدق.
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ : قربت لينظروا إليها ويغتبطوا بحشرهم إليها. وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ : أظهرت وكشفت بحيث كانت بمرأى منهم كقوله : فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ «١»، وذلك على سبيل التوبيخ.
هل ينفعونكم بنصرهم إياكم، أو ينتصرون هم فينفعون أنفسهم بحمايتها، إذ هم وأنتم وقود النار؟ وقرأ الأعمش : فبرزت بالفاء، جعل تبريز الجحيم بعد تقريب الجنة يعقبه، وذلك لأن الواو للجمع، فيمكن أن يكون كل واحد منهما ظهوره قبل الآخر، وهو من تقديم الرحمة على العذاب، وهو حسن، لو لا أن رسم المصحف بالواو. وقرأ مالك بن دينار : وَبُرِّزَتِ بالفتح والتخفيف الْجَحِيمُ بالرفع، بإسناد الفعل إليها اتساعا. ولما وبخهم وقرعهم، أخبر عن حال يوم القيامة، وجيء في ذلك كله بلفظ الماضي في أتى وأزلفت وبرزت.
وقيل : فَكُبْكِبُوا، لتحقق وقوع ذلك، وإن كان لم يقع. والضمير في : فكبكبوا عائد على الأصنام، أجريت مجرى من يعقل. قال الكرماني : فكبكبوا : قذفوا فيها. وقيل :
جمعوا. وقيل : هدروا. وقيل : نكسوا على رؤوسهم يموج بعضهم في بعض. وقيل : ألقوا في جهنم ينكبون مرة بعد مرة حتى يستقروا في قعرها. وَالْغاوُونَ : هم الكفرة الذين

(١) سورة الملك : ٦٧/ ٢٧.


الصفحة التالية
Icon