البحر المحيط، ج ٨، ص : ١٨٦
الصواب أن يجيز، ثم مادّة ل ي ك لم يوجد منها تركيب، فهي مادّة مهملة. كما أهملوا مادّة خ ذ ج منقوطا، وهذه نزغة اعتزالية، يعتقدون أن بعض القراءة بالرأي لا بالرواية، وهذه قراءة متواترة لا يمكن الطعن فيها، ويقرب إنكارها من الردّة، والعياذ باللّه. أما نافع، فقرأ على سبعين من التابعين، وهم عرب فصحاء، ثم هي قراءة أهل المدينة قاطبة. وأما ابن كثير، فقرأ على سادة التابعين ممن كان بمكة، كمجاهد وغيره، وقد قرأ عليه إمام البصرة أبو عمرو بن العلاء، وسأله بعض العلماء : أقرأت على ابن كثير؟ قال : نعم، ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد، وكان ابن كثير أعلم من مجاهد باللغة. قال أبو عمرو : ولم يكن بين القراءتين كبير يعني خلافا. وأما ابن عامر فهو إمام أهل الشام، وهو عربي قح، قد سبق اللحن، أخذ عن عثمان، وعن أبي الدرداء وغيرهما. فهذه أمصار ثلاثة اجتمعت على هذه القراءة الحرمان مكة والمدينة والشام، وأما كون هذه المادّة مفقودة في لسان العرب، فإن صح ذلك كانت الكلمة عجمية، ومواد كلام العجم مخالفة في كثير مواد كلام العرب، فيكون قد اجتمع على منع صرفها العلمية والعجمة والتأنيث.
وتقدم مدلول الأيكة في الحجر، وكان شعيب عليه السلام من أهل مدين، فلذلك جاء : وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً «١». ولم يكن من أهل الأيكة، فلذلك قال هنا : إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ. ومن غريب النقل ما روي عن ابن عباس، أن أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هم أصحاب مدين، وعن غيره، أن أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هم أهل البادية، وأصحاب مدين هم الحاضرة. وروي في الحديث :«أن شعيبا أخا مدين أرسل إليهم وإلى أصحاب الأيكة، أمرهم بإيفاء الكيل، وهو الواجب، ونهاهم عن الإخسار، وهو التطفيف، ولم يذكر الزيادة على الواجب، لأن النفوس قد تشح بذلك فمن فعله فقد أحسن، ومن تركه فلا حرج».
وتقدم تفسير القسطاس في سورة الإسراء. وقال الزمخشري : إن كان من القسط، وهو العدل، وجعلت العين مكررة، فوزنه فعلاء، وإلا فهو رباعي. انتهى. ولو تكرر ما يماثل العين في النطق، لم يكن عند البصريين إلا رباعيا. وقال ابن عطية : هو مبالغة من القسط.
انتهى. والظاهر أن قوله : وَزِنُوا، هو أمر بالوزن، إذ عادل قوله : أَوْفُوا الْكَيْلَ، فشمل ما يكال وما يوزن مما هو معتاد فيه ذلك. وقال ابن عباس ومجاهد : معناه عدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله اللّه لعباده.
وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ : الجملة والتي تليها تقدم الكلام عليهما. ولما تقدم

(١) سورة الأعراف : ٧/ ٨٥، وسورة هود : ١١/ ٨٤، وسورة العنكبوت : ٢٩/ ٣٦.


الصفحة التالية
Icon