البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢١٩
وقال ابن عطية : والظاهر أن سليمان وجنوده كانوا مشاة في الأرض، ولذلك يتهيأ حطم النمل بنزولهم في وادي النمل. ويحتمل أنهم كانوا في الكرسي المحمول بالريح، فأحست النمل بنزولهم في وادي النمل، ووادي النمل قيل بالشام. وقيل : بأقصى اليمن، وهو معروف عند العرب مذكور في أشعارها. وقال كعب : وادي السدر من الطائف.
والظاهر صدور القول من النملة، وفهم سليمان كلامها، كما فهم منطق الطير. قال مقاتل :
من ثلاثة أميال. وقال الضحاك بلغته : الريح كلامها. وقال ابن بحر : نطقت بالصوت معجزة لسليمان، ككلام الضب والذراع للرسول.
وقيل : فهمه إلهاما من اللّه، كما فهمه جنس النمل، لا أنه سمع قولا. وقال الكلبي : أخبره ملك بذلك. قال الشاعر :
لو كنت أوتيت كلام الحكل علم سليمان كلام النمل
والحكل : ما لا يسمع صوته. وذكروا اختلافا في صغر النملة وكبرها، وفي اسمها العلم ما لفظه. وليت شعري، من الذي وضع لها لفظا يخصها، أبنو آدم أم النمل؟ وقالوا : كانت نملة عرجاء، ولحوق التاء في قالت لا يدل على أن النملة مؤنث، بل يصح أن يقال في المذكر : قالت نملة، لأن نملة، وإن كان بالتاء، هو مما لا يتميز فيه المذكر من المؤنث.
وما كان كذلك، كالنملة والقملة، مما بينه في الجمع وبين واحده من الحيوان تاء التأنيث، فإنه يخبر عنه إخبار المؤنث، ولا يدل كونه يخبر عنه إخبار المؤنث على أنه ذكر أو أنثى، لأن التاء دخلت فيه للفرق، لا دالة على التأنيث الحقيقي، بل دالة على الواحد من هذا الجنس.
وقال الزمخشري، وعن قتادة : أنه دخل الكوفة، فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم. وكان أبو حنيفة حاضرا، وهو غلام حدث، فقال : سلوه عن نملة سليمان، أكانت ذكرا أم أنثى : فسألوه فأفحم، فقال أبو حنيفة : كانت أنثى. فقيل له : من أين عرفت؟
فقال : من كتاب اللّه، وهو قوله : قالَتْ نَمْلَةٌ، ولو كان ذكرا لقال قال نملة. قال الزمخشري : وذلك أن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى، فيميز بينهما بعلامة، نحو قولهم : حمامة ذكر وحمامة أنثى، وهو وهي. انتهى. وكان قتادة بن دعامة السدوسي بصيرا بالعربية، وكونه أفحم، يدل على معرفته باللسان، إذ علم أن النملة يخبر عنها إخبار المؤنث، وإن كانت تنطلق على الأنثى والذكر، إذ هو مما لا يتميز فيه أحد هذين، فتذكيره وتأنيثه لا يعلم ذلك من إلحاق العلامة للفعل فتوقف، إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من اللّه. وأما استنباط تأنيثه من كتاب اللّه من قوله : قالَتْ نَمْلَةٌ، ولو كان ذكرا