البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٦٢
للأول لقولهم : اثرد، وأصله اثترد من الثرد، والهمزة المحذوفة المنقول حركتها إلى اللام هي همزة الاستفهام، أدخلت على ألف الوصل فانحذفت ألف الوصل، ثم انحذفت هي وألقيت حركتها على لام بل. وقرأ أبو رجاء والأعرج، وشيبة، وطلحة، وتوبة العنبري :
كذلك، إلا أنهم كسروا لام بل وروي ذلك عن ابن عباس، وعاصم، والأعمش. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، وأهل مكة : بل أدرك، على وزن أفعل، بمعنى تفاعل، ورويت عن أبي بكر، عن عاصم. وقرأ عبد اللّه في رواية، وابن عباس في رواية، وابن أبي جمرة، وغيره عنه، والحسن، وقتادة، وابن محيصن : بل آدرك، بمدة بعد همزة الاستفهام، وأصله أأدرك، فقلب الثانية ألفا تخفيفا، كراهة الجمع بين همزتين، وأنكر أبو عمرو بن العلاء هذه الرواية ووجهها. وقال أبو حاتم : لا يجوز الاستفهام بعد بل، لأن بل إيجاب، والاستفهام في هذا الموضع إنكار بمعنى : لم يكن كقوله تعالى : أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ «١»، أي لم يشهدوا، فلا يصح وقوعهما معا للتنافي الذي بين الإيجاب والإنكار.
انتهى. وقد أجاز بعض المتأخرين الاستفهام بعد بل، وشبهه بقول القائل : أخبزا أكلت بل أماء شربت؟ على ترك الكلام الأول والأخذ في الثاني. وقرأ مجاهد : أم أدرك، جعل أم بدل بل، وأدرك على وزن أفعل. وقرأ ابن عباس أيضا : بل ادّارك، بهمزة داخلة على ادارك، فيسقط همزة الوصل المجتلبة، لأجل الإدغام والنطق بالساكن. وقرأ ابن مسعود أيضا : بل أأدرك، بهمزتين، همزة الاستفهام وهمزة أفعل. وقرأ الحسن أيضا، والأعرج :
بل أدرك، بهمزة وإدغام فاء الكلمة، وهي الدال في تاء افتعل، بعد صيرورة التاء دالا.
وقرأ ورش في رواية : بل ادّرك، بحذف همزة أدرك ونقل حركتها إلى اللام. وقرأ ابن عباس أيضا : بلى أدرك، بحرف الإيجاب الذي يوجب به المستفهم المنفي. وقرىء : بل آأدرك، بألف بين الهمزتين. فأما قراءة من قرأ بالاستفهام، فقال ابن عباس : هو للتقريع بمعنى لم يدرك علمهم على الإنكار عليهم. وقال الزمخشري : هو استفهام على وجه الإنكار لإدراك علمهم، وكذلك قراءة من قرأ : أم ادّرك، وأم تدارك، لأنها أم التي بمعنى بل والهمزة.
انتهى. وقال ابن عطية : هو على معنى الهزء بالكفرة والتقرير لهم على ما هو في غاية البعد عنهم، أي اعلموا أمر الآخرة وادّركها علمهم. وأما قراءة من قرأ على الخبر، فقال ابن عباس : المعنى : بل تدارك علمهم ما جهلوه في الدنيا، أي علموه في الآخرة، بمعنى :
تكامل علمهم في الآخرة بأن كل ما وعدوا به حق، وهذا حقيقة إثبات العلم لهم،