البحر المحيط، ج ٨، ص : ٢٧٥
عكرمة : ليس شيء خيرا من لا إله إلا اللّه، يريد أنها ليست أفعل التفضيل. وقيل : أفعل التفضيل. فقال الزمخشري : فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها، يريد الإضعاف، وأن العمل ينقضي والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. انتهى. وقوله : وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد، تركيب مختلف فيه، فبعض العلماء منعه، والصحيح جوازه. وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون للتفضيل، ويكون في قوله : مِنْها، حذف مضاف تقديره : خير من قدرها واستحقاقها، بمعنى : أن اللّه تعالى تفضل عليه فوق ما تستحق حسنته. قال ابن زيد : يعطى بالواحدة عشرا، والداعية إلى هذا التقدير أن الحسنة لا يتصور بينها وبين الثواب تفضيل. انتهى. وقيل : ثواب المعرفة الحاصلة في الدنيا هي المعرفة الضرورية الحاصلة في الآخرة، ولذة النظر إلى وجهه الكريم. وقد دلت الدلائل على أن أشرف السعادات هي هذه اللذة، ولو لم تحمل الآية على ذلك، لزم أن يكون الأكل والشرب خيرا من معرفة اللّه تعالى، وذلك لا يكون.
وقرأ الكوفيون : مِنْ فَزَعٍ، بالتنوين، وَيَوْمَئِذٍ، منصوب على الظرف معمول لقوله : آمِنُونَ، أو لفزع. ويدل على أنه معمول له قراءة من أضافه إليه، أو في موضع الصفة لفزع، أي كائن في ذلك الوقت. وقرأ باقي السبعة : بإضافة فزع إلى يومئذ فكسر الميم العربيان، وابن كثير، وإسماعيل بن جعفر، عن نافع، وفتحها، بناء لإضافته إلى غير متمكن نافع، في غير رواية إسماعيل. والتنوين في يومئذ تنوين العوض، حذفت الجملة وعوض منها، والأولى أن تكون الجملة المحذوفة ما قرب من الظرف، أي يوم، إذ جاء بالحسنة، ويجوز أن يكون التقدير : يوم إذ ترى الجبال، ويجوز أن يكون التقدير : يوم إذ ينفخ في الصور، ولا سيما إذا فسر بأنه نفخ القيام من القبور للحساب، ويكون الفزع إذ ذاك واحدا. وقال أبو عليّ ما معناه : من فزع، بالتنوين، أو بالإضافة، ويجوز أن يراد به فزع واحد، وأن يراد به الكثرة، لأنه مصدر. فإن أريد الكثرة، شمل كل فزع يكون في القيامة، وإن أريد الواحد، فهو الذي أشير إليه بقوله : لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ «١».
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين؟ قلت : الفزع الأول : ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدة نفع، وهو يفجأ من رعب وهيبة، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به. والثاني : الخوف من العذاب. انتهى. والسيئة : الكفر والمعاصي ممن حتم اللّه عليه من أهل المشيئة بدخول النار. وخصت الوجوه، إذ كانت أشرف الأعضاء،

(١) سورة الأنبياء : ٢١/ ١٠٣.


الصفحة التالية
Icon