البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٠٠
يحدّ أول أمد الإجارة. والظاهر من الآية جواز النكاح بالإجارة، وبه قال الشافعي وأصحابه وابن حبيب. وقال الزمخشري : هاتَيْنِ، فيه دليل على أنه كانت له غيرهما. انتهى. ولا دليل في ذلك، لأنهما كانتا هما اللتين رآهما تذودان، وجاءته إحداهما، فأشار إليهما، والإشارة إليهما لا تدل على أن له غيرهما. عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي في موضع الحال من ضمير أنكحك، إما الفاعل، وإما المفعول. وتأجرني، من أجرته : كنت له أجيرا، كقولك :
أبوته : كنت له أبا، ومفعول تأجرني الثاني محذوف تقديره نفسك. وثَمانِيَ حِجَجٍ :
ظرف، وقاله أبو البقاء. وقال الزمخشري : حجج : مفعول به، ومعناه : رعيه ثماني حجج.
فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ : أي هو تبرع وتفضل لا اشتراط. وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بإلزام أيّم الأجلين، ولا في المعاشرة والمناقشة في مراعاة الأوقات، وتكليف الرعاة أشياء من الخدم خارجة عن الشرط. سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ : وعد صادق مقرون بالمشيئة من الصالحين في حسن المعاملة ووطاءة الخلق، أو من الصالحين على العموم، فيدخل تحته حسن المعاملة.
ولما فرغ شعيب مما حاور به موسى، قال موسى : ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، على جهة التقدير والتوثق في أن الشرط إنما وقع في ثماني حجج. وذلك مبتدأ أخبره بيني وبينك، إشارة إلى ما عاهده عليه، أي ذلك الذي عاهدتني وشارطتني قائم بيننا جميعا لا نخرج عنه، ثم قال : أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ، أي الثماني أو العشر؟ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ : أي لا يعتدى عليّ في طلب الزيادة، وأي شرط، وما زائدة. وقرأ الحسن، والعباس، عن أبي عمرو :
أيما، بحذف الياء الثانية، كما قال الشاعر :
تنظرت نصرا والسماكين أيما علي من الغيث استهلت مواطره
وقرأ عبد اللّه : أي الأجلين ما قضيت، بزيادة ما بين الأجلين وقضيت. قال الزمخشري فإن قلت : ما الفرق بين موقع ما المزيدة في القراءتين؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة لإبهام، أي زائدة في شياعها وفي الشاذ، تأكيدا للقضاء، كأنه قال : أي الأجلين صممت على قضائه وجردت عزيمتي له؟ وقرأ أبو حيوة، وابن قطيب : فلا عدوان، بكسر العين.
قال المبرد : قد علم أنه لا عدوان عليه في أتمهما، ولكن جمعهما، ليجعل الأول كالأتم في الوفاء. وقال الزمخشري : تصور العدوان إنما هو في أحد الأجلين الذي هو أقصر، وهو المطالبة بتتمة العشر، فما معنى تعليق العدوان بهما جميعا؟ قلت : معناه : كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر، كان عدوانا لا شك فيه، فكذلك إن طولبت في الزيادة على