البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٠٩
القول الأول أصله بالجانب الغربي، وعلى الثاني أصله بجانب المكان الغربي، والترجيح بين القولين مذكور في النحو. والغربي، قال قتادة : غربي الجبل، وقال الحسن : بعث اللّه موسى بالغرب، وقال أبو عبيدة : حيث تغرب الشمس والقمر والنجوم. وقيل : هنا جبل غربي. وقيل : الغربي من الوادي، وقيل : من البحر. قال ابن عطية : المعنى : لم تحضر يا محمد هذه الغيوب التي تخبر بها، ولكنها صارت إليك بوحينا، أي فكان الواجب أن يسارع إلى الإيمان بك، ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها زمنا زمنا، فعزبت حلومهم، واستحكمت جهالتهم وضلالتهم. وقال الزمخشري : الغرب : المكان الواقع في شق الغرب، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى من الطور، وكتب اللّه له في الألواح.
والأمر المقضي إلى موسى : الوحي الذي أوحى إليه. والخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يقول :
وما كنت حاضرا المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى، ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه، أو على الوحي إليه، وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات، حتى نقف من جملة المشاهدة على ما جرى من أمر موسى في ميقاته، وكتب التوراة له في الألواح، وغير ذلك.
فإن قلت : كيف يتصل قوله : وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً بهذا الكلام، ومن أي جهة يكون استدراكا؟ قلت : اتصاله به وكونه استدراكا من حيث أن معناه : ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحي إلى عهدك قرونا كثيرة، فتطاول على آخرهم، وهو القرن الذي أنت فيهم.
الْعُمُرُ : أي أمد انقطاع الوحي، واندرست العلوم، فوجب إرسالك إليهم، فأرسلناك وكسبناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى، كأنه قال : وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه، ولكنا أوحيناه إليك، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة النظرة، ودل به على المسبب على عادة اللّه في اختصاره. فإذن، هذا الاستدراك شبيه للاستدراكين بعده. وَما كُنْتَ ثاوِياً : أي مقيما في أهل مدين، هم شعيب والمؤمنون. تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا : تقرأ عليهم تعلما منهم، يريد الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه. ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها وعلمناكها. إِذْ نادَيْنا، يريد مناداة موسى ليلة المناجاة وتكليمه، ولكن علمناك. وقيل :
فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ، وفترت النبوة، ودرست الشرائع، وحرف كثير منها وتمام الكلام مضمر تقديره : وأرسلناك مجددا لتلك الأخبار، مميزا للحق بما اختلف فيه منها، رحمة منا. وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : وما كنت من الشاهدين في ذلك الزمان، وكانت بينك وبين موسى قرون تطاولت أعمارهم، وأنت تخبر الآن عن تلك الأحوال أخبار مشاهدة وعيان بإيحائنا، معجزة لك. وقيل : تتلو حال، وقيل : مستأنف، أي أنت الآن تتلو قصة


الصفحة التالية
Icon