البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣١٠
شعيب، ولكنا أرسلناك رسولا، وأنزلنا عليك كتابا فيه هذه الأخبار المنسية تتلوها عليهم، ولولاك ما أخبرتهم بما لم يشاهدوه.
وقال الفراء : وَما كُنْتَ ثاوِياً في أهل مدين مع موسى، فتراه وتسمع كلامه، وها أنت تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا : أي على أمتك، فهو منقطع. انتهى. قيل : وإذا لم يكن حاضرا في ذلك المكان، فما معنى : وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ؟ فقال ابن عباس :
التقدير : لم تحضر ذلك الموضع، ولو حضرت، فما شاهدت تلك الوقائع، فإنه يجوز أن يكون هناك : ولا يشهد ولا يرى. وقال مقاتل : لم يشهد أهل مدين فيقرأ على أهل مكة خبرهم، ولكنا أرسلناك إلى أهل مكة، وأنزلنا إليك هذه الأخبار، ولو لا ذلك ما علمت.
وقال الضحاك : يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين، تتلو عليهم آيات الكتاب، وإنما كان غيرك، ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولا، فأرسلنا إلى مدين شعيبا، وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء. انتهى.
وقال الطبري : إِذْ نادَيْنا بأن : فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ «١» الآية. وعن أبي هريرة : أنه نودي من السماء حينئذ يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني، وغفرت لكم قبل أن تسألوني، فحينئذ قال موسى عليه السلام : اللهم اجعلني من أمة محمد.
فالمعنى : إذ نادينا بأمرك، وأخبرناك بنبوتك. وقرأ الجمهور : رَحْمَةً، بالنصب، فقدر : ولكن جعلناك رحمة، وقدر أعلمناك ونبأناك رحمة. وقرأ عيسى، وأبو حيوة : بالرفع، وقدر : ولكن هو رحمة، أو هو رحمة، أو أنت رحمة. لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ : أي في زمن الفترة بينك وبين عيسى، وهو خمسمائة وخمسون عاما ونحوه. وجواب لَوْ لا محذوف.
والمعنى : لو لا أنهم قائلون، إذ عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي، هلا أرسلت إلينا رسولا؟ محتجين بذلك علينا ما أرسلنا إليهم : أي إنما أرسلنا الرسل إزالة لهذا العذر، كما قال : لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ «٢»، أن تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ «٣». وتقدير الجواب : ما أرسلنا إليهم الرسل، هو قول الزجاج. وقال ابن عطية :
تقديره : لعاجلناهم بما يستحقونه. والمصيبة : العذاب. ولما كان أكثر الأعمال تزاول بالأيدي، عبر عن كل عمل باجتراح الأيدي، حتى أعمال القلوب، اتساعا في الكلام، وتصيير الأقل تابعا للأكثر، وتغليب الأكثر على الأقل. والفاء في فَيَقُولُوا للعطف على نصيبهم، ولو لا الثانية للتحضيض. وفنتبع : الفاء فيه جواب للتحضيض.

(١) سورة الأعراف : ٧/ ١٥٧.
(٢) سورة النساء : ٤/ ١٦٥.
(٣) سورة المائدة : ٥/ ١٩.


الصفحة التالية
Icon