البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣١٨
جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
لما ذكر أن الممتعين في الدنيا يحضرون إلى النار، ذكر شيئا من أحوال يوم القيامة، أي واذكر حالهم يوم يناديهم اللّه، ونداؤه إياهم يحتمل أن يكون بواسطة وبغير واسطة فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ؟ أي على زعمكم، وهذا الاستفهام على جهة التوبيخ والتقريع والشركاء هم من عبدوه من دون اللّه، من ملك، أو جنّ، أو إنس، أو كوكب، أو صنم، أو غير ذلك. ومفعولا تَزْعُمُونَ محذوفان، أحدهما العائد على الموصول، والتقدير :
تزعمونهم شركاء. ولما كان هذا السؤال مسكتا لهم، إذ تلك الشركاء التي عمدوها مفقودون، هم أوجدوا هم في الآخرة حادوا عن الجواب إلى كلام لا يجدي.
قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ : أي الشياطين، وأئمة الكفر ورؤوسه وحق : أي وجب عليهم القول، أي مقتضاه، وهو قوله : لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ «١». وهؤُلاءِ : مبتدأ، والَّذِينَ أَغْوَيْنا : هم صفة، وأَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا : الخبر، وكَما غَوَيْنا : صفة لمطاوع أغويناهم، أي فغووا كما غوينا، أي تسببنا لهم في الغي فقبلوا منا. وهذا الإعراب قاله الزمخشري. وقال أبو عليّ : ولا يجوز هذا الوجه، لأنه ليس في الخبر زيادة على ما في صفة المبتدأ. قال : فإن قلت : قد وصلت بقوله : كَما غَوَيْنا، وفيه زيادة. قيل : الزيادة بالظرف لا تصيره أصلا في الجملة، لأن الظروف صلات، وقال هو : الَّذِينَ أَغْوَيْنا هو الخبر، وأَغْوَيْناهُمْ : مستأنف. وقال غير أبي علي : لا يمتنع الوجه الأول، لأن الفضلات في بعض المواضع تلزم، كقولك :
زيد عمرو قائم في داره. انتهى. والمعنى : هؤلاء أتباعنا آثروا الكفر على الإيمان، كما آثرناه نحن، ونحن كنا السبب في كفرهم، فقبلوا منا. وقرأ أبان، عن عاصم وبعض الشاميين : كما غوينا، بكسر الواو. قال ابن خالويه : وليس ذلك مختارا، لأن كلام العرب :
غويت من الضلالة، وغويت من البشم. ثم قالوا : تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ، منهم ما كانوا يعبدوننا، إنما عبدوا غيرنا، وإِيَّانا : مفعول يَعْبُدُونَ، لما تقدّم الفصل، وانفصاله لكون