البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣١٩
يعبدون فاصلة، ولو اتصل، ثم لم يكن فاصلة. وقال الزمخشري : إنما كانوا يعبدون أهواءهم ويطيعون شهواتهم وإخلاء الجملتين من العاطف، لكونهما مقرونين لمعنى الجملة الأولى. انتهى.
وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ : لما سئلوا أين شركاؤكم وأجابوا بغير جواب، سئلوا ثانيا فقيل : ادعوا شركاءكم، وأضاف الشركاء إليهم، أي الذين جعلتموهم شركاء للّه. وقوله :
ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ، على سبيل التهكم بهم، لأنه يعلم أنه لا فائدة في دعائهم، فَدَعَوْهُمْ، هذا لسخافة عقولهم في ذلك الموطن أيضا، إذ لم يعلموا أن من كان موجودا منهم في ذلك الموطن لا يجيبهم، والضمير في وَرَأَوُا. قال الضحاك ومقاتل :
هو للتابع والمتبوع، وجواب لو محذوف، والظاهر أن يقدر مما يدل عليه مما يليه، أي لو كانوا مؤمنين في الدنيا، ما رأوا العذاب في الآخرة. وقيل : التقدير : لو كانوا مهتدين بوجه من وجوه الحيل، لدفعوا به العذاب. وقيل : لعلموا أن العذاب حق. وقيل : لتحيروا عند رؤيته من فظاعته، وإن لم يعذبوا به، وقيل : ما كانوا في الدنيا عابدين الأصنام. وقال أبو عبد اللّه الرازي : وعندي أن الجواب غير محذوف، وفي تقريره وجوه : أحدها : أن اللّه إذا خاطبهم بقوله : ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ، اشتدّ خوفهم ولحقهم شيء بحيث لا يبصرون شيئا، لا جرم ما رأوا العذاب. وثانيها : لما ذكر الشركاء، وهي الأصنام، وأنهم لا يجيبون الذين دعوهم، قال في حقهم : وَرَأَوُا الْعَذابَ، لو كانوا من الأحياء المهتدين، ولكنها ليست كذلك، ولا جرم ما رأت العذاب. والضمير في رأوا، وإن كان للعقلاء، فقد قال : ودعوهم وهم للعقلاء. انتهى، وفيه بعض تلخيص. وقد أثنى على هذا الذي اختاره، وليس بشيء، لأنه بناه على أن الضمير في رأوا عائد على المدعوين، قال : وهم الأصنام. والظاهر أنه عائد على الداعين، كقوله : إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ «١»، ولأن حمل مهتدين على الأحياء في غاية البعد، لأن ما قدره هو جواب، ولا يشعر به أنه جواب، إذ صار التقدير عنده : لو كانوا من الأحياء رأوا العذاب، لكنها ليست من الأحياء، فلا ترى العذاب. ألا ترى إلى قوله : فلا جرم ما رأت العذاب؟
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ : هذا النداء أيضا قد يكون بواسطة من الملائكة، أو بغير واسطة.
حكى أولا ما يوبخهم من اتخاذهم له شركاء، ثم ما يقوله رؤوس الكفر عند توبيخهم، ثم استعانتهم بشركائهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم، ثم ما يبكتون به من الاحتجاج

(١) سورة البقرة : ٢/ ١٦٦.


الصفحة التالية
Icon