البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٢٠
عليهم بإرسال الرسل وإزالة العلل. وقرأ الجمهور : فَعَمِيَتْ بفتح العين وتخفيف الميم. وقرأ الأعمش، وجناح بن حبيش، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير : بضم العين وتشديد الميم، والمعنى : أظلمت عليهم الأمور، فلم يستطيعوا أن يخبروا بما فيه نجاة لهم، وأتى بلفظ الماضي لتحقق وقوعه. فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ، وقرأ طلحة : يساءلون، بإدغام التاء في السين : أي لا يسأل بعضهم بعضا فيما يتحاجون به، إذا أيقنوا أنه لا حجة لهم، فهم في عمى وعجز عن الجواب. والمراد بالنبإ : الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله. ولما ذكر تعالى أحوال الكفار يوم القيامة، وما يكون منهم فيه، أخبر بأن من تاب من الشرك وآمن وعمل صالحا، فإنه مرجو له الفلاح والفوز في الآخرة، وهذا ترغيب للكافر في الإسلام، وضمان له للفلاح. ويقال : إن عسى من اللّه واجبة.
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ : نزلت بسبب ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وقول بعضهم : لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ «١»، وقائل ذلك الوليد بن المغيرة. قال القرطبي : هذا متصل بذكر الشركاء الذين دعوهم واختاروهم للشفاعة، أي الاختيار إلى اللّه تعالى في الشفعاء، لا إلى المشركين. وقيل : هو جواب لليهود، إذ قالوا : لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل، لأمنا به، ونص الزجاج، وعليّ بن سليمان، والنحاس : على أن الوقف على قوله : وَيَخْتارُ تام، والظاهر أن ما نافية، أي ليس لهم الخيرة، إنما هي للّه تعالى، كقوله : ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ من أمرهم.
وذهب الطبري إلى أن ما موصولة منصوبة بيختار، أي ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس، كما لا يختارون هم ما ليس إليهم، ويفعلون ما لم يؤمروا به. وأنكر أن تكون ما نافية، لئلا يكون المعنى : إنه لم تكن لهم الخيرة فيما مضى، وهي لهم فيما يستقبل، ولأنه لم يتقدّم كلام ينفي. وروي عن ابن عباس معنى ما ذهب إليه الطبري، وقد رد هذا القول تقدّم العائد على الموصول، وأجيب بأن التقدير : ما كان لهم فيه الخيرة، وحذف لدلالة المعنى. قال الزمخشري : كما حذف من قوله : إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «٢»، يعني : أن التقدير أن ذلك فيه لمن عزم الأمور. وأنشد القاسم ابن معن بيت عنترة :
أمن سمية دمع العين تذريف لو كان ذا منك قبل اليوم معروف
وقرن الآية بهذا البيت. والرواية في البيت : لو أن ذا، ولكن على ما رواه القاسم يتجه في
(٢) سورة الشورى : ٤٢/ ٤٣.