البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٢٥
وقال الحوفي : الناصب له محذوف تقديره أذكر. وقال أبو البقاء : إِذْ قالَ لَهُ ظرف لآتيناه، وهو ضعيف أيضا، لأن الإيتاء لم يكن وقت ذلك القول. وقال أيضا : ويجوز أن يكون ظرفا لفعل محذوف دل عليه الكلام، أي بغى عليهم، إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ. انتهى.
ويظهر أن يكون تقديره : فأظهر التفاخر والفرح بما أوتي من الكنوز، إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ. وقال تعالى : وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ «١»، والعرب تمدح بترك الفرح عند إقبال الخير. وقال الشاعر :
ولست بمفراح إذا الدهر سرني ولا جازع من صرفه المتحول
وقال الآخر :
إن تلاق منفسا لا تلقنا فرح الخير ولا نكبوا الضر
وقرىء : الفارحين، حكاه عيسى بن سليمان الحجازي. ولا يُحِبُّ : صفة فعل، لا صفة ذات، بمعنى الإرادة، لأن الفرح أمر قد وقع، فالمعنى : لا يظهر عليهم بركته، ولا يعمهم رحمته. ولما نهوه عن الفرح المطغى، أمروه بأن يطلب، فيما آتاه اللّه من الكنوز وسعة الرزق، ثواب الدار الآخرة، بأن يفعل فيه أفعال البر، وتجعله زادك إلى الآخرة.
وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، قال ابن عباس، والجمهور : معناه : ولا تضيع عمرك في أن لا تعمل صالحا في دنياك، إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها، وهذا التأويل فيه عظة. وقال الحسن، وقتادة : معناه : لا تضيع حظك من الدنيا في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك، وفي هذا التأويل بعض رفق.
وقال الحسن : معناه : قدم الفضل وأمسك ما تبلغ به. وقال مالك : هو الأكل والشرب بلا سرف. وقيل : أرادوا بنصيبه الكفن، وهذا وعظ متصل، كأنهم قالوا : تترك جميع مالك، لا يكون نصيبك منه إلا الكفن كما قال الشاعر :
نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تأوي فيهما وحنوط
وقال الزمخشري : أن تأخذ منه ما يكفيك ويصلحك، وهذا قريب من قول الحسن :
وَأَحْسِنْ إلى عباد اللّه، أو بشكرك وطاعتك للّه. كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ بتلك النعم التي خولكها، والكاف للتشبيه، وهو يكون في بعض الأوصاف، لأن مماثلة إحسان العبد لإحسان اللّه من جميع الصفات يمتنع أن تكون، فالتشبيه وقع في مطلق الإحسان، أو تكون

(١) سورة الحديث : ٥٧/ ٢٣.


الصفحة التالية
Icon