البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٢٧
كَسَبَتْ رَهِينَةٌ
«١». وقيل : أهلك من أهلك من القرون، عن علم منه بذنوبهم، فلم يحتج إلى مسألتهم عنها. وقيل : هو مستأنف عن حال يوم القيامة. قال قتادة : لا يسألون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها، لأنهم يدخلون النار بغير حساب. وقال قتادة أيضا، ومجاهد :
لا تسألهم الملائكة عن ذنوبهم، لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه، كقوله :
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ «٢». وقيل : لا يسألون سؤال توبيخ وتفريع. وقرأ أبو جعفر في روايته : ولا تسأل، بالتاء والجزم، المجرمين : نصب. وقرأ ابن سيرين، وأبو العالية :
كذلك في ولا تسأل على النهي للمخاطب، وكان ابن أبي إسحاق لا يجوّز ذلك إلّا أن يكون المجرمين بالياء في محل النصب، بوقوع الفعل عليه. قال صاحب اللوامح : فالظاهر ما قاله، ولم يبلغني في نصب المجرمين شيء، فإن تركاه على رفعه، فله وجهان :
أحدهما : أن تكون الهاء والميم في عَنْ ذُنُوبِهِمُ راجعة إلى ما تقدم من القرون، وارتفاع المجرمين بإضمار المبتدأ، وتقديره : هم المجرمون، أو أولئك المجرمون، ومثله :
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ «٣» في التوبة. والثاني : أن يكون بدلا من أصل الهاء والميم في ذنوبهم، لأنها، وإن كانت في محل الجر بالإضافة إليها، فإن أصلها الرفع، لأن الإضافة إليها بمنزلة إضافة المصدر إلى اسم الفاعل فعلى ذلك المجرمون محمول على الأصل، على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ : أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً «٤» بالجر، على أنها بدل من أصل المثل، وما زائدة فيه، وتقديره : لا يستحي بضرب مثل بعوضة، أي بضرب بعوضة. في ذلك فسر أن مع الفصل بالمصدر ناصب إلى المفعول به، ثم أبدل منه البعوضة من غير أن أعرف فيها أثرا لحال. فأما قوله : من ذنوبهم، فذنوب جمع، فإن كان جمع مصدر، ففي إعماله خلاف. وأما قوله على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ، فقد ذكر في البقرة أنه سمع ذلك، ولا نعرف فيها أثرا، فينبغى أن لا يجعلها قراءة.
ولما ذكر تعالى قارون ونعته، وما آتاه من الكنوز، وفرحه بذلك فرح البطرين، وادعاءه أن ما أوتي من ذلك إنما أوتيه على علم، ذكر ما هو ناشىء عن التكبر والسرور بما أوتي فقال : فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ، وكان يوم السبت : أي أظهر ما يقدر عليه من الملابس والمراكب وزينة الدنيا. قال جابر، مجاهد : في ثياب حمر. وقال ابن زيد : هو وحشمه في ثياب معصفرة. وقيل : في ثياب الأرجوان. وقيل : على بغلة شهباء عليها
(٢) سورة الرحمن : ٥٥/ ٤١.
(٣) سورة التوبة : ٩/ ١١٢.
(٤) سورة البقرة : ٢/ ٢٦. [.....]