البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٣١
وتبليغه والعمل بما فيه يعني أن الذي حملك صعوبة هذا التكليف ليثيبك عليها ثوابا لا يحيط به الوصف. والمعاد، قال الجمهور : في الآخرة، أي باعثك بعد الموت، ففيه إثبات الجزاء والإعلام بوقوعه. وعن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري : المعاد : الموت.
وقيل : بيت المقدس. وقيل : الجنة، وكان قد دخلها ليلة المعراج. وقال ابن عباس أيضا، ومجاهد : المعاد : مكة، أراد رده إليها يوم الفتح، ونكره، والمقصود التعظيم، أي معاد أي معاد، أي له شأن لغلبة الرسول عليها وقهره لأهلها، ولظهور عز الإسلام وأهله، فكأن اللّه وعده وهو بمكة أنه يهاجر منها ويعود إليها ظافرا ظاهرا. وقيل : نزلت عليه حين بلغ الجحفة في مهاجره، وقد اشتاق إليها، فقال له جبريل : أتشتاق إليها؟ قال : نعم، فأوحاها إليه. ومن منصوب بإضمار فعل، أي يعلم من جاء بالهدى، ومن أجاز أن يأتي أفعل بمعنى فاعل، وأجاز مع ذلك أن ينصب به، جاز أن ينتصب به، إذ يؤوله بمعنى عالم، ويعطيه حكمه من العمل.
ولما وعده تعالى أنه يرده إلى معاد، وأنه تعالى فرض عليه القرآن، أمره أن يقول للمشركين ذلك، أي هو تعالى عالم بمن جاء بالهدى، وهو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وبما يستحقه من الثواب في معاده، وهذا إذا عنى بالمعاد ما بعد الموت. ويعني بقوله : وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ : المشركين الذين أمره اللّه بأن يبلغهم ذلك، هو عالم بهم، وبما يستحقونه من العقاب في معادهم، وفي ذلك متاركة للكفار وتوبيخ. وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ : هذا تذكير لنعمه تعالى على رسوله، وأنه تعالى رحمه رحمة لم يتعلق بها رجاؤه. وقيل : بل هو معلق بقوله : إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ، وأنت بحال من لا يرجو ذلك، وانتصب رحمة على الاستثناء المنقطع، أي لكن رحمة من ربك سبقت، فألقى إليك الكتاب. وقال الزمخشري : هذا كلام محمول على المعنى، كأنه قيل : وما ألقى عليك الكتاب إلا رحمة من ربك. انتهى. فيكون استثناء متصلا، إما من الأحوال، وإما من المفعول له. وقرأ الجمهور : يصدنك، مضارع صد وشدوا النون، ويعقوب كذلك، إلا أنه خففها. وقرىء : يصدنك، مضارع أصد، بمعنى صد، حكاه أبو زيد، عن رجل من كلب قال : وهي لغة قومه، وقال الشاعر :
أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم صدود السواقي عن أنوف الحوائم
بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ : أي بعد وقت إنزالها، وإذ تضاف إليها أسماء الزمان كقوله : بَعْدَ


الصفحة التالية
Icon