البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٥٨
استظلال وسكنى، بل لو دخلت فيه خرقته. ثم بين حال بيتها، وأنه في غاية الوهن، بحيث لا ينتفع به. كما أن تلك الأصنام لا تنفع ولا تجدي شيئا البتة، وقوله : لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، ليس مرتبطا بقوله : وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ، لأن كل أحد يعلم ذلك، فلا يقال فيه : لو كانوا يعلمون وإنما المعنى : لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم، وأن أمر دينهم بالغ من الوهن هذه الغاية لأقلعوا عنه، وما اتخذوا الأصنام آلهة.
وقال الزمخشري : إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان، لو كانوا يعلمون أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز، وكأنه قال : وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان، لو كانوا يعلمون. ولقائل أن يقول : مثل المشرك الذي يعبد الوثن، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد اللّه، مثل عنكبوت يتخذ بيتا، بالإضافة إلى رجل بنى بيتا بآجر وجص أو نحته من صخر. فكما أن أوهن البيوت، إذا استقريتها بيتا بيتا، بيت العنكبوت، كذلك أضعف الأديان، إذا استقريتها دينا دينا، عبادة الأوثان، لو كانوا يعلمون. انتهى.
وما ذكره من قوله : ولقائل أن يقول إلخ. لا يدل عليه لفظ الآية، وإنما هو تحميل للفظ ما لا يحتمله، كعادته في كثير من تفسيره. وقرأ أبو عمرو، وسلام : يعلم ما، بالإدغام والجمهور : بالفك والجمهور : تدعون، بتاء الخطاب وأبو عمرو، وعاصم :
بخلاف، بياء الغيبة وجوزوا في ما أن يكون مفعولا بيدعون، أي يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء، أي يعلم حالهم، وأنهم لا قدرة لهم. وأن تكون نافية، أي لستم تدعون من دونه شيئا له بال ولا قدر، فيصلح أن يسمى شيئا، وأن يكون استفهاما، كأنه قدر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء، وهي في هذين الوجهين مقتطعة من يعلم، واعتراض بين يعلم وبين قوله : وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وجوز أبو علي أن يكون ما استفهاما منصوبا بيدعون، ويعلم معلقة فالجملة في موضع نصب بها، والمعنى : أن اللّه يعلم أوثانا تدعون من دونه، أم غيرها لا يخفى عليه ذلك. والجملة تأكيد للمثل، وإذا كانت ما نافية، كان في الجملة زيادة على المثل، حيث لم يجعل تعالى ما يدعونه شيئا.
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ : فيه تجهيل لهم، حيث عبدوا ما ليس بشيء، لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلا، وتركوا عبادة القادر القاهر الحكيم الذي لا يفعل شيئا إلا لحكمة. وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ : أي لا يعقل صحتها وحسنها وفائدتها.