البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٨٦
وقال ابن عباس : مطيعون، أي في تصريفه، لا يمتنع عنه شيء يريد فعله بهم، من حياة وموت وصحة ومرض، فهي طاعة الإرادة لا طاعة العبادة. وقيل : قائمون يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين. وإذا حمل القنوت على الإخلاص، كما قال ابن جبير، أو على الإقرار بالعبودية، أو قانتون من ملك ومؤمن، لأن كل عام مخصوص. وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ : أي والعود أهون عليه، وليست أهون أفعل تفضيل، لأنه تفاوت عند اللّه في النشأتين : الإبداء والإعادة، فلذلك تأوله ابن عباس والربيع بن خيثم على أنه بمعنى هين، وكذا هو في مصحف عبد اللّه. والضمير في عليه عائد على اللّه. وقيل : أهون للتفضيل، وذلك بحسب معتقد البشر وما يعطيهم النظر في المشاهد من أن الإعادة في كثير من الأشياء أهون من البداءة، للاستغناء عن الروية التي كانت في البداءة وهذا، وإن كان الاثنان عنده تعالى من اليسر في حيز واحد. وقيل : الضمير في عليه عائد على الخلق، أي والعود أهون على الخلق : بمعنى أسرع، لأن البداءة فيها تدريج من طور إلى طور إلى أن يصير إنسانا، والإعادة لا تحتاج إلى هذه التدريجات في الأطوار، إنما يدعوه اللّه فيخرج، فكأنه قال :
وهو أيسر عليه، أي أقصر مدة وأقل انتقالا. وقيل : المعنى وهو أهون على المخلوق، أي يعيد شيئا بعد إنشائه، فهذا عرف المخلوقين، فكيف تنكرون أنتم الإعادة في جانب الخالق؟ قال ابن عطية : والأظهر عندي عود الضمير على اللّه تعالى، ويؤيده قوله تعالى :
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى، كما جاء بلفظ فيه استعاذة واستشهاد بالمخلوق على الخالق، وتشبيه بما يعهده الناس من أنفسهم، خلص جانب العظمة، بأن جعل له المثل الأعلى الذي لا يتصل به، فكيف ولا تمثال مع شي ء؟ انتهى. وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أخرت الصلة في قوله : وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، وقدمت في قوله : هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ «١»؟ قلت :
هنالك قصد الاختصاص، وهو تجبره، فقيل : وهو علي هين، وإن كان مستصعبا عندك، وإن تولد بين هرم وعاقر. وأما هنا فلا معنى للاختصاص، كيف والأمر مبني على ما يعقلون من أن الإعادة أسهل من الابتداء؟ فلو قدمت الصلة لتغير المعنى. انتهى. ومبنى كلامه على أن تقديم المعمول يؤذن بالاختصاص، وقد تكلمنا معه في ذلك، ولم نسلمه في قوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ «٢».
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى، قيل : هو متعلق بما قبله، قاله الزجاج، وهو قوله : وَهُوَ أَهْوَنُ قد ضربه لكم مثلا فيما يسهل أو يصعب. وقيل : بما بعده من قوله :

(١) سورة مريم : ١٩/ ٩.
(٢) سورة الفاتحة : ١/ ٥.


الصفحة التالية
Icon