البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٩٦
نفس الفساد الظاهر. وقرأ السلمي، والأعرج، وأبو حيوة، وسلام، وسهل، وروح، وابن حسان، وقنبل من طريق ابن مجاهد، وابن الصباح، وأبو الفضل الواسطي عنه، ومحبوب عن أبي عمرو : لنذيقهم، بالنون والجمهور : بالياء، ثم أمرهم بالمسير في الأرض، فينظروا كيف أهلك الأمم بسبب معاصيهم وإشراكهم، وذلك تنبيه لقريش وأمر لهم بالاعتبار بمن سلف من الأمم، قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم. كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ :
أهلكهم كلهم بسبب الشرك، وقوم بسبب المعاصي، لأنه تعالى يهلك بالمعاصي، كما يهلك بالشرك، كأصحاب السبت. أو أهلكهم كلهم، المشرك والمؤمن، كقوله تعالى :
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً «١»، وأهلكهم كلهم، وهم كفار، فأكثرهم مشركون، وبعضهم معطل. وحين ذكر امتنانه قاله : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ، فذكر الوجود ثم البقاء بسبب الرزق. وحين ذكر خذلانهم بالطغيان، بسبب البقاء بإظهار الفساد، ثم بسبب الوجود بالإهلاك. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ : يوم القيامة، وفيه تحذير يعم الناس، لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، المرد : مصدر رد، ومن اللّه : يحتمل أن يتعلق بيأتي، أي من قبل أن يأتي من اللّه يوم لا يرده أحد حتى لا يأتي لقوله : فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها «٢»، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف يدل عليه مرد، أي لا يرده هو بعد أن يجيء به، ولا رد له من جهته. يَوْمَئِذٍ : أي يوم إذ يأتي ذلك اليوم. يَصَّدَّعُونَ :
يتفرقون، فريق في الجنة، وفريق في السعير. يقال : تصدع القوم إذا تفرقوا، ومنه الصداع، لأنه يفرق شعب الرأس، وقال الشاعر :
وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
ثم ذكر حالتي المتفرقين : مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ : أي جزاء كفره، وعبر عن حالة الكافر بعليه، وهي تدل على الفعل والمشقة، وعن حال المؤمن بقوله : فَلِأَنْفُسِهِمْ، باللام التي هي لام الملك. ويَمْهَدُونَ : يوطئون، وهي استعارة من الفرش، وعبارة عن كونهم يفعلون في الدنيا ما يلقون به، ما تقر به أعينهم وتسر به أنفسهم في الجنة. وقال مجاهد :
هو التمهيد للقبر. وقال الزمخشري : وتقديم الظرف في الموضعين لدلالة على أن ضرر الكفر لا يعود إلا على الكافر لا يتعداه، ومنفعة الإيمان والعمل الصالح ترجع إلى المؤمن لا تتجاوزه. انتهى. وهو على طريقته في دعواه أن تقديم المفعول وما جرى مجراه يدل
(٢) سورة الأنبياء : ٢١/ ٤٠.