البحر المحيط، ج ٨، ص : ٣٩٧
على الاختصاص، وأما على مذهبنا فيدل على الاهتمام، وأما ما يدعيه من الاختصاص فمفهوم من آي كثيرة في القرآن منها : وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى «١». واللام في لِيَجْزِيَ، قال الزمخشري : متعلق بيمهدون، تعليل له وتكرير الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، وترك الضمير إلى الصريح لتقديره أنه لا يفلح عنده إلا المؤمن الصالح. وقوله : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ، تقرير بعد تقرير على الطرد والعكس.
وقال ابن عطية : ليجزي متعلق بيصدعون، ويجوز أن تكون متعلقة بمحذوف تقديره ذلك ليجزي، وتكون الإشارة إلى ما تقرر من قوله تعالى : مَنْ كَفَرَ، وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً.
انتهى. ويكون قسم الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على هذين التقديرين اللذين ذكرهما ابن عطية محذوفا تقديره : كأنه قال : والكافرون بعدله، ودل على حذف هذا القسيم قوله : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ. ومعنى نفي الحب هنا : أنه لا تظهر عليهم أمارات رحمته، ولا يرضى الكفر لهم دينا. وقال الزمخشري : مِنْ فَضْلِهِ : بما تفضل عليهم بعد توفية الواجب من الثواب، وهذا يشبه الكناية، لأن الفضل تبع للثواب، فلا يكون إلا بعد حصول ما هو تبع له، أو أراد من عطائه، وهو ثوابه، لأن الفضول والفواضل هي الأعطية عند العرب.
وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ، وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ، فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ، فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ، وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ.
لما ذكر تعالى ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك، ذكر ظهور الصلاح. والكريم لا يذكر لإحسانه عوضا، ويذكر لعقابه سببا لئلا يتوهم به الظلم فذكر من أعلام قدرة إرسال الرياح مبشرات بالمطر، لأنها متقدمة. والمبشرات : رياح الرحمة، الجنوب