البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٠٢
التركيب : ما لبثنا غير ساعة، أي ما أقاموا تحت التراب غير ساعة، وما لبثوا في الدنيا :
استقلوها لما عاينوا من الآخرة، أو فيما بين فناء الدنيا إلى البعث، وإخبارهم بذلك هو على جهة التسور والتقول بغير علم، أو على جهة النسيان، أو الكذب. يُؤْفَكُونَ : أي يصرفون عن قول الحق والنطق بالصدق.
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ : هم الملائكة والأنبياء والمؤمنون. فِي كِتابِ اللَّهِ : فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث والعلم يعم الإيمان وغيره، ولكن نص على هذا الخاص تشريفا وتنبيها على محله من العلم. وقيل : فِي كِتابِ اللَّهِ : اللوح المحفوظ، وقيل : في علمه، وقيل : في حكمه. وقرأ الحسن : البعث، بفتح العين فيهما، وقرئ :
بكسرها، وهو اسم، والمفتوح مصدر. وقال قتادة : هو على التقديم والتأخير، تقديره : أوتوا العلم في كتاب اللّه والإيمان. لَقَدْ لَبِثْتُمْ : وعلى هذا تكون في بمعنى الباء، أي العلم بكتاب اللّه، ولعل هذا القول لا يصح عن قتادة، فإن فيه تفكيكا للنظم لا يسوغ في كلام غير فصيح، فكيف يسوغ في كلام اللّه؟ وكان قتادة موصوفا بعلم العربية، فلا يصدر عنه مثل هذا القول. والفاء في : فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ عاطفة لهذه الجملة المقولة على الجملة التي قبلها، وهي : لَقَدْ لَبِثْتُمْ، اعتقبها في الذكر. قال الزمخشري : فإن قلت : ما هذه الفاء، وما حقيقتها؟ قلت : هي التي في قوله :
فقد جئنا خراسانا وحقيقتها أنها جواب شرط يدل عليه الكلام، كأنه قال : إن صح ما قلتم من أن أقصى ما يراد بنا قلنا القفول : قد جئنا خراسانا، وإذا أمكن جعل الفاء عاطفة، لم يتكلف إضمار شرط، وجعل الفاء جوابا لذلك الشرط المحذوف، لا تعلمون لتفريطكم في طلب الحق واتباعه. وقيل : لا تعلمون البعث ولا تعرفون به، فصار مصيركم إلى النار، فتطلبون التأخير. فَيَوْمَئِذٍ : أي يوم إذ، يقع ذلك من إقسام الكفار وقول أولي العلم لهم. وقرأ الكوفيون : لا يَنْفَعُ، بالياء هنا وفي الطول، ووافقهم نافع في الطول وباقي السبعة بتاء التأنيث. وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ، قال الزمخشري : من قولك : استعتبني فلان فأعتبته : أي استرضاني فأرضيته، وذلك إذا كان جانيا عليه، وحقيقته : أعتبته : أزلت عتبه. ألا ترى إلى قوله :
غضبت تميم أن يقتل عامر يوم النثار فأعتبوا بالصيلم


الصفحة التالية
Icon