البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٢٨
مِمَّا تَعُدُّونَ، ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ، وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ، قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ، وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
هذه السورة مكية، قيل : إلا خمس آيات : تَتَجافى إلى تُكَذِّبُونَ. وقال ابن عباس، ومقاتل، والكلبي : إلا ثلاث آيات نزلت بالمدينة : أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً.
قال كفار قريش : لم يبعث اللّه محمدا إلينا، وإنما الذي جاء به اختلاق منه، فنزلت.
ولما ذكر تعالى، فيما قبلها، دلائل التوحيد من بدء الخلق، وهو الأصل الأول ثم ذكر المعاد والحشر، وهو الأصل الثاني، وختم به السورة، ذكر في بدء هذه السورة الأصل الثالث، وهو تبيين الرسالة.
والْكِتابِ : القرآن. قال الحوفي : تَنْزِيلُ مبتدأ، ولا رَيْبَ خبره. ويجوز أن يكون تَنْزِيلُ خبر مبتدأ، أي هذا المتلو تنزيل، أو هذه الحروف تنزيل، والم بدل على الحروف. وقال أبو البقاء : الم مبتدأ، وتَنْزِيلُ خبره بمعنى المنزل، ولا رَيْبَ فِيهِ حال من الكتاب، والعامل فيه تنزيل، ومِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ متعلق بتنزيل أيضا.
ويجوز أن يكون حالا من الضمير في فيه، والعامل فيه الظرف. ويجوز أن يكون تَنْزِيلُ مبتدأ، ولا رَيْبَ فِيهِ الخبر، ومِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ حال كما تقدم. ولا يجوز على هذا أن يتعلق بتنزيل، لأن المصدر قد أخبر عنه. ويجوز أن يكون الخبر مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ، ولا رَيْبَ حال من الكتاب، وأن يكون خبرا بعد خبر. انتهى. والذي أختاره أن يكون تَنْزِيلُ مبتدأ، ولا رَيْبَ اعتراض، ومِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ الخبر. وقال ابن عطية :
مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ متعلق بتنزيل، ففي الكلام تقديم وتأخير ويجوز أن يتعلق بقوله :
لا رَيْبَ، أي لا شك، من جهة اللّه تعالى، وإن وقع شك الكفرة، فذلك لا يراعى.
والريب : الشك، وكذا هو في كل القرآن، إلا قوله : رَيْبَ الْمَنُونِ «١». انتهى.
وإذا كان تَنْزِيلُ خبر مبتدأ محذوف، وكانت الجملة اعتراضية بين ما افتقر إلى

(١) سورة الطور : ٥٢/ ٣٠.


الصفحة التالية
Icon