البحر المحيط، ج ٨، ص : ٤٤١
وقيل : عائد على الكتاب، فإما مضاف إليه على طريق الفاعل والمفعول محذوف، أي من لقاء الكتاب موسى ووصوله إليه، وإما بالعكس، أي من لقاء موسى الكتاب وتلقيه. وقيل :
يعود على الكتاب على تقدير مضمر، أي من لقاء مثله، أي : إنا آتيناك مثل ما آتينا موسى، ولقناك بمثل ما لقن من الوحي، فلا تك في شك من أنك لقنت مثله ولقيت نظيره، ونحوه من لقائه قوله : وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ «١». وقال الحسن : يعود على ما تضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى، وذلك إن إخباره بأنه أتى موسى الكتاب كأنه قال : ولقد آتينا موسى هذا العبء الذي أنت بسبيله، فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس. انتهى، وهذا قول بعيد. وأبعد من هذا، من جعله عائدا على ملك الموت الذي تقدم ذكره، والجملة اعتراضية. وقيل : عائد على الرجوع إلى الآخرة، وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير : ثم إلى ربكم ترجعون.
فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ : أي من لقاء البعث، وهذه أنقال كان ينبغي أن ينزه كتابنا عن نقلها، ولكن نقلها المفسرون، فاتبعناهم. والضمير في وَجَعَلْناهُ لموسى، وهو قول قتادة. وقيل : للكتاب، جعله هاديا من الضلالة وخص بني إسرائيل بالذكر، لأنه لم يتعبد بما فيها ولد إسماعيل. وَجَعَلْنا مِنْهُمْ : أي من بني إسرائيل، أَئِمَّةً : قادة يقتدى بهم. وقرأ الجمهور : لَمَّا صَبَرُوا، بفتح اللام وشد الميم. وعبد اللّه وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، ورويس : بكسر اللام وتخفيف الميم. وَكانُوا : يحتمل أن يكون معطوفا على صَبَرُوا، فيكون داخلا في التعليق. ويحتمل أن يكون عطفا على وَجَعَلْنا مِنْهُمْ. وقرأ عبد اللّه أيضا : بما صبروا، بباء الجر، والضمير في منهم ظاهره يعود على بني إسرائيل. والفصل : يوم القيامة يعم الخلق كلهم. أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ : تقدم الكلام على نحو هذه الآية إعرابا وقراءة وتفسيرا في طه، إلا أن هنا : مِنْ قَبْلِهِمْ ويَسْمَعُونَ، وهناك : قَبْلِهِمْ، ولِأُولِي النُّهى «٢». ويسمعون، والنهى من الفواصل.
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ : أقام تعالى الحجة على الكفرة بالأمم السالفة الذين كفروا فأهلكوا، ثم أقامها عليهم بإظهار قدرته وتنبيههم على البعث، وتقدّم تفسير الْجُرُزِ في الكهف، وكل أرض جزر داخلة في هذا، فلا تخصيص لها بمكان معين.
وقال ابن عباس : هي أرض أبين من اليمن، وهي أرض تشرب بسيول لا تمطر. وقرىء :

(١) سورة النمل : ٢٧/ ٦.
(٢) سورة طه : ٢٠/ ١٢٨.


الصفحة التالية
Icon